«العقار».. إلى أين؟
عنوان هذا المقال سؤال يدور في كل مجلس ويتداول عند فتح أي نقاش حول الاستثمار، وكان هذا السؤال عنوانا لتجمع السعودية قبل أسابيع، الضيف كان الكاتب راشد الفوزان، والمقدم كان الإعلامي ياسر العمرو. دار حوار جميل حول سوق العقار في المملكة، وكان النقاش والمداخلات والتعليقات صحية في كثير من الأحوال ومنحرفة في بعضها، عقلانية في معظمها ومتطرفة في شيء منها، ودية في غالبها وعدوانية في البعض الآخر.
الذي يهمني ويهمكم هنا الأفكار التي تم طرحها، وهي بالتأكيد تمثل آراء من طرحها بأشخاصهم، ولكنها بلا شك تمثل أيضاً نبض السوق ووجهة نظر محترمة فيه، وتوجهات تؤمن بها شريحة من المجتمع، سواء من قادة الفكر أو من الأتباع.
كان النقاش في معظمه يصب حول إجابة السؤال أعلاه "العقار.. إلى أين؟"، وقد كانت وجهة نظر المؤيدين لهذا الاتجاه طاغية على اللقاء، وكان من أبرزها ما ذكره أحد العقاريين أن العقار وبلا شك في صعود، وبرر هذا التوجه بتفسيرات منطقية للغاية؛ فتكلفة العقار في جميع الأحوال لن تخرج عن ثلاث مكونات، وهي: تكلفة الأرض، وتكلفة العمالة، وتكلفة المواد؛ أما الأراضي فهي شحيحة مع الأسف، وأراضي الدولة التي يمكن أن تصب في العرض نادرة، وإن وجدت فهي مع الأسف بعيدة وغير جاذبة وتطويرها غير اقتصادي، يضاف إلى ذلك حبس كثير من ملاك الأراضي لأراضيهم سواء الأراضي الخام أو الأراضي المخططة، والشكوى دائمة من قبل الملاك حول صعوبة وتعقيدات إجراءات التخطيط في الأمانات التي استغرقت في بعض الحالات سنوات للتخطيط، ولا يوجد مؤشرات لتغير هذا الوضع في المستقبل القريب! أما العمالة فتكلفتها في تصاعد مستمر والسبب الرئيس لذلك هو مبادرات وزارة العمل للتوطين التي زادت من تكلفة العمالة بشكل كبير، إضافة إلى الرسوم الإضافية التي طبقتها. مؤشرات ندرة العمالة واضحة في السوق بل تعثر كثير من المشاريع نتيجة ذلك، ولا يوجد أي مؤشر للعودة لمستويات الرواتب السابقة الذي لا يحدث أبداً إلا في حالات نادرة، أما العامل الثالث وهو تكلفة المواد المستخدمة في البناء فيتضح لأي مراقب أن الأسعار بشكل عام في صعود، على المستويين العالمي والمحلي، ويزيد من وتيرة الزيادة السعرية المحلية لمواد البناء التضخم وعدم توازن العرض مع الطلب، الذي أيضاً لا يبدو أن هناك مؤشرات لتراجعه، إذن بالنظر إلى هذه التبريرات فأسعار العقار إلى صعود، أو على أضعف الأحول في ثبات.
من جهة أخرى، ناقش الحضور بعض العيوب الجوهرية في الحالة العقارية، تتميز بها الخصوصية السعودية كالعادة، ومن أبرز هذه العيوب وأخطرها أن صك الملكية لا يعتبر منجزاً حتى لو انتقل لك كابراً عن كابر، فالأصل في الصك الشك في صحته، حتى يتم التحقق من ذلك، فتجد المشتري قبل الشراء لا يكتفي بأن الصك موجود وصادر من كتابة العدل الرسمية التي تمثل الحكومة! نقل الملكية عند كاتب العدل مرة أخرى لا يعتبر تأكيداً على صحة الصك! لذلك فإن المشتري الحصيف يراجع السجلات في كتابة العدل ليتحقق من وجود أصل للصك ومن عدم وجود أي تهميشات تؤثر في سلامة الصك في السجل، ثم يراجع الأمانة ليتحقق من عدم وجود أي إشكالات في المخطط، وكل ذلك لا يشفع له بصحة الصك فقد يظهر له خصم كان يملك الأرض قبل 40 عاماً، وبالتالي فكل مشتر يرجع على بائعه! بل والأدهى والأمر أنك قد تجد منحة مطبقة على الأرض! أو أرضا مجاورة زحفت عليها! أو تداخلات مع شوارع طارئة! لا تسألوني كيف؛ ولكن هذا يحدث في مناطق كثيرة في المملكة!
من ضمن العيوب الجوهرية في الحالة العقارية السعودية واقع وضع وزارة الإسكان، التي اتفق من تحدث عنها من الحضور بأنها جزء مهم في منظومة قلق السوق العقاري وضبابيته، فتخبط وزارة الإسكان في الحلول المقدمة، الذي أدى إلى تأخر وزارة الإسكان في تقديم الحلول الإسكانية، ومواكبة ذلك مع تصريحات منسوبي الوزارة التي تميزت بالوعود البراقة الواهية، مما رفع مستوى الترقب في السوق وبالتالي زيادة رتم الضبابية المقلقة للعاملين والمتعاملين مع السوق العقاري.
أحد مسببات توتر السوق العقاري السعودي أيضاً هو مقارنته بالأسواق الأخرى المحيطة، وخاصة عند مقارنة ما يحصل عليه المواطن السعودي مع ما يحصل عليه المواطن الإماراتي أو القطري أو الكويتي، التي في أقل أحوالها لا تكون في مصلحة السعودي، سواء كان ذلك على مستوى حجم ما يقدم أو إنجاز ما يقدم.
السؤال المهم من عنوان هذا المقال هو: ما الحل؟ ولمثل هذه المعضلة لا يوجد حل! ولكن يوجد مجموعة من القرارات والسياسات والإجراءات لو تمت قد تحل من تعقيد مشكلة الإسكان عقدة عقدة، أو على الأقل ستساهم في فك جزء من تعقيدات المشكلة؛ ومن أبرز ما أقترحه في هذا الصدد الفصل بين وزارة الإسكان وبين التنفيذ ليكون دور الوزارة محصوراً في التشريع والدعم والتيسير والتنسيق مع الجهات الأخرى، ويتبع هذا التحرك أو متماشياً معه تأسيس شركات تطوير عقاري كبرى مناطقية مهمتها تنفيذ خطة الإسكان الحالية والإضافة عليها مستقبلاً، وتحال إليها جميع الأصول الحالية والموازنة القائمة للإسكان وتكون مملوكة للحكومة ويطرح جزء منها للاكتتاب، وتدار بالكامل عن طريق القطاع الخاص بالتحالف مع المطورين العقاريين الحاليين. من ضمن حزمة الحلول تأسيس بنوك متخصصة في تمويل الإسكان تقوم بدور ادخاري لطالب الإسكان إضافة لدورها الأساسي التمويلي لطالبي السكن، كما يجب دعم شركات المقاولات في قضية العمالة وإلا فإننا لن نجد من يبني بيوتاً يستطيع متوسط الدخل أن يشتريها.
أخيراً لن تحل مشكلة الإسكان وارتفاع أسعار العقار إلا بحل مشكلة احتكار الأراضي البيضاء، التي تحتاج إلى مقال مستقل لمناقشتها.