كتاب المانع و «خفافيش الظلام»

المطلع على كتاب وزير الصحة السابق حمد المانع "لكم وللتاريخ .. سيرة وزارية صريحة" يشعر بأنه يقرأ مرافعة لمحامي الدفاع الذي نراه في المحاكم. فكأن الوزير المانع اكتفى بأن يعرض مسيرته الوزارية من داخل قفص الاتهام. لذا فالكتاب يحفل بالكثير من التبريرات التي كان الوزير في غنى عن الخوض فيها. كما أن الوزير المانع وعبر كتابه هاجم بعض وسائل الإعلام وكتَّاب الرأي. وذكرت في مقال سابق الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من خلال كتابه، لكني في هذا المقال سأركز بشكل مباشر على ما احتواه الكتاب من تعرضه للإعلام، خصوصا أن الكاتب المانع خصص أكبر فصول كتابه لهذا الغرض وكان عنوانه "أقلام وقراطيس .. صحافة المنحدرات". بل إن الوزير المانع لم يكتف بهذا الفصل من كتابه لانتقاد الإعلام، بل هاجم بعض الإعلاميين والكتاب في فصول أخرى بما فيها الفصل الذي تلى مقدمة كتابه. ولعلي لن أعلق كثيرا على ما كتبه المانع، بل سأكتفي بسرد بعض ما ذكره وأترك للقارئ الكريم تقييمه.
لم ينتظر كثيرا المانع قبل هجومه الشرس على الإعلام، بل بدأ بالهجوم من الفصل الأول للكتاب، ففي أول فصول الكتاب وصف المانع بعض الإعلاميين بخفافيش الظلام بقوله: "إن خفافيش الظلام ليسوا مجرمين قتلة فقط، بل فيهم من يظهر للناس بوجه جميل أو بصوت حان عبر صحيفة أو قناة أو إذاعة، فقد تعددت الخفافيش والظلام واحد!". ويرى المانع أن أوراق الصحف كانت "مساحة لتصفية الحسابات وخدمة أجندات قلة منتفعة وربما فاسدة"، ثم يقول: نجحت بطريق أو بآخر في الوصول إلى هذا المنبر الإعلامي أو ذاك، في غفلة من القائمين عليه، وربما بمباركة منهم، في صناعة رأي عام ضد هذا المسؤول أو ذاك، والتعبئة ضده، بهدف الإطاحة به، حتى يخلو الطريق أمام هؤلاء للزحف على مقدرات الوطن وتحويلها إلى خدمة مصالحهم، أو لبناء أمجادهم الشخصية الزائفة على حساب جهد الآخرين". ثم يستدل الوزير المانع على صدق دعواه عندما أردف بقوله: "ولذا هدأت الزوبعة الإعلامية حول مشكلات وزارة الصحة بمجرد أن ترجل حمد المانع عن كرسيها! وبدا لي حينها أن جعجعة الصحافة كانت لغرض في نفوس كثيرة، وقد سكنت مراجلها بمجرد أن صرت تاريخا، وكأن الوزارة المغضوب عليها صارت خلال عشية وضحاها من المنعم عليهم" ثم يتساءل الوزير السابق بقوله: "فهل انتهت مشاكل الوزارة برحيل وزيرها؟ إنه السؤال الذي كان ينبغي طرحه بصراحة ووضوح، لكن أحدا لم يسأل، مع أن جميع المشكلات التي ينقمونها على الوزارة، طالما نجح هؤلاء في أن يجعلوا منها مادة لمقالات، وتحقيقات وحوارات وتقارير صحافية، ما زالت قائمة" ثم يستنتج الوزير السابق ويصف الكتَّاب والإعلام مرة أخرى بخفافيش الظلام حين قال: لكن خفافيش الظلام وذيولهم نجحوا في خداع الرأي العام آنذاك، وهولوا له الأمور، وصوروها أنها آفات لن تبرأ منها الصحة إلا برحيل رجل واحد! وها وقد رحل من رميتموه عن قوس واحدة، فهل انتهت المشكلات، أم لا تزال باقية؟ فماذا أسكتكم وألزمكم الصمت وهو نسك الأهلية وأهلها؟!"
ثم يحاول الوزير بعد ذكر ما عبر عنه بالواقع المخيف أن يخفف لهجة الهجوم بقوله عند وصفه للواقع الإعلامي: "وهو واقع لا يطاوعني قلمي على وصفه بالابتزاز الصحافي والإعلامي، وهو ما أنزه عنه بعض صحفنا وأقلامنا، ولا ألصقه بأحد بعينه، فالمخلصون كانوا ولا يزالون كثرا" إلى آخر كلامه. ثم يعيد الوزير السابق اتهاماته للإعلاميين بقوله: "نعم لدينا وقائع لضغوط إعلامية، لإسكات هذا المسؤول أو ذاك، ولتصفية الحسابات مع هذا المسؤول أو ذاك، أو ربما للإطاحة بهذا المسؤول أو ذاك، تحت تأثير الترويع العام الذي تنجح هذه الأقلام في بث أجوائه بين المواطنين من خطورة بقاء هذا المسؤول في موقعة على مصالحهم، الأمر الذي يتطور في الآخر إلى فرض منطق ما من شأنه وقف صداع الكلام بإقالة هذا المسؤول". ثم يحاول الوزير السابق أن يكون أكثر تعقلا في طرحه عندما قال: "..وإنني لا أعمم على الإطلاق بوصفي هذا، بقدر ما أتحدث عن وقائع عشتها، وأتحدث عن مواقف مررت بها، وممارسات غير نظيفة كان شخصي هدفا لها، لا لشيء سوى أن بقائي عقبة في طريق مصالح بعضهم". القارئ للكتاب يشعر بغصة في حلق الوزير المانع من الإعلام. في اعتقادي أن المانع كان يفترض ألا يغيب عنه أنه كان وزيرا لوزارة تهم جميع الناس ويحتاجون إليها على مدار الـ 24 ساعة، فالاإنجاز والسعي نحو تحقيق مكتسبات وطنية أقوى الردود لكل متربص وحاقد، فالجدل والانشغال بالمناكفات الإعلامية لا يحقق إنجازا، بل يؤخر الإنجاز إن لم يحل دون تحقيقه. قد يكون المانع عانى تقلب بعضهم وتلونه، لكن العبرة بمستوى ما تحقق على أرض الواقع وجودته، في هذه الحالة لا تلتفت لأمثال هؤلاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي