«مأسسة» .. التنظيم الإداري في السعودية

كيف سيكون مستقبل "اللجنة العليا للتنظيم الإداري" بعد خمس سنوات أو عشر سنوات من الآن؟ هل ستظل في شكلها الحالي تعقد مدعومة بلجنتين تابعتين لها، إحداهما "لجنة فرعية"، والأخرى "لجنة تحضيرية"؟ وهل "اللجنة" في شكلها الحالي يمكن أن يساعدنا على إرساء قواعد العمل المؤسسي (المأسسة) خاصة إذا كنا نتحدث عن تطوير "مؤسسات" حكومية؟
لقد دارت ملفات "التغيير" بين كبار المسؤولين في الحكومة السعودية، لكن رسميا جرى إسنادها إلى "لجنة" سميت في البداية "اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري" (أغسطس 1999) التي تحولت فيما بعد إلى "اللجنة العليا للتنظيم الإداري" (فبراير 2012).
فقد شكّلت اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري في السعودية بموجب الأمر السامي الكريم رقم 7/ب/6629، وتاريخ 7/5/1420هـ، بهدف تطوير الجهاز الحكومي وتحديثه والارتقاء بمستوى أدائه وترشيد كلفته، وإعادة هيكلة أجهزة الدولة.
ووفقا لمعهد الإدارة العامة الذي يحتضن الأمانة العامة للجنة العليا، فإن التنظيم الإداري في السعودية كان يمر منذ 1999 بمرحلة حرجة من التحديات الداخلية والخارجية الكبيرة، فعلى الصعيد الداخلي هناك الزيادة السكانية المطردة التي بلغت نسبتها خلال الفترة من 1984 إلى 1999، ما يقرب من 75 في المائة مقابل انحسار في الموارد المالية للدولة بلغ ما يقرب من 58 في المائة للفترة نفسها، وقد وضعت هذه الزيادة في السكان وما تبعها من تعدد احتياجاتهم، وتوقُّع ارتفاعها، وضع الجهاز الحكومي أمام تحد كبير في تقديم الخدمات المؤملة منه بموارد مالية محدودة.
أما على الصعيد الخارجي، فإن التغيرات السياسية والتقنية وما أفرزته من تكتلات اقتصادية قوية ومتطلبات التفاعل مع المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية، التي تدعو إلى تحرير التجارة الدولية، قد وضعت السعودية أمام تحد آخر كبير يستدعي تطوير بنيتها الاقتصادية والإدارية.
وإيمانا بضرورة التفاعل مع هذه التحديات قامت الحكومة السعودية بانتهاج سياسات اقتصادية جديدة تمثلت في إنشاء بعض المؤسسات الاقتصادية مثل: تفعيل المجلس الأعلى للبترول، وإنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى، والهيئة العامة للاستثمار.
إلا أن اللجنة أخذت منحى آخر حين تحولت من "لجنة وزارية" إلى "لجنة عليا" مع صدور الأمر السامي الكريم رقم 16001، وتاريخ 12/3/1433هـ، القاضي بتشكيل "اللجنة العليا للتنظيم الإداري"، تعنى بتطوير القطاع الحكومي والارتقاء بمستوى أدائه وضبط كلفته المالية في حدود الحاجة الفعلية، ويترأسها رئيس مجلس الوزراء، وعضوية كل من:
- نائب رئيس مجلس الوزراء
- وزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور/ مطلب بن عبد الله النفيسة
- وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء الدكتور/ مساعد بن محمد العيبان
- وزير المالية الدكتور/ إبراهيم بن عبد العزيز العساف
- وزير النقل الدكتور/ جبارة بن عيد الصريصري
- وزير العمل المهندس/ عادل بن محمد فقيه
- وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور/ محمد بن سليمان الجاسر
- وزير الخدمة المدنية الدكتور/ عبد الرحمن بن عبد الله البراك
• رئيس هيئة الخبراء في مجلس الوزراء الدكتور/ عصام بن سعد بن سعيد
• مدير عام معهد الإدارة العامة الدكتور/ أحمد بن عبد الله الشعيبي
وتُعنى هذه اللجنة بتنفيذ مشروع وطني متكامل يسمى "مشروع التنظيم الإداري للأجهزة الحكومية"، يهدف إلى إعادة الهيكلة الإدارية لمؤسسات الدولة، ودراسة نظام الموظفين، وحجم الوظائف وأعداد الموظفين ومدى الحاجة إليهم، ومدى حجم كل مصلحة أو وزارة قياسا للمهام المنوطة بها، والنسبة والتناسب للرتب والمراتب.
ويهدف "مشروع التنظيم الإداري للأجهزة الحكومية" بشكل عام إلى تطوير الجهاز الحكومي وتحديثه، كما يسعى إلى تحقيق الأهداف التفصيلية التالية:
- رفع كفاءة وفاعلية الأداء في الأجهزة الحكومية.
- تطوير الأنظمة واللوائح المالية وخفض وترشيد تكاليف أداء العمل الحكومي.
- تطوير الأنظمة واللوائح الوظيفية وتفعيل تطبيق مبدأ الجدارة في التوظيف.
- رفع مستوى أجهزة الرقابة والمساءلة الإدارية.
- تخصيص أقصى ما يمكن من الخدمات الحكومية.
- إدارة ما يلزم إدارته من النشاطات الحكومية بأسلوب الإدارة التجارية (التوجه نحو الخصخصة).
- التوسع في إدخال أنظمة الحاسب الآلي بكثافة في الأجهزة الحكومية (التوجه نحو الحكومة الإلكترونية).
وانبثق عن اللجنة العليا للتنظيم الإداري لجنتان:
- "لجنة فرعية" تتولى الإشراف على دراسات المشروع ومتابعة سيرها وتهيئة عرضها على اللجنة العليا.
- "لجنة تحضيرية" تتولى وضع الخطط التفصيلية للمشروع ومراجعة الدراسات التنظيمية المطلوب إعدادها عن الأجهزة الحكومية، وإعداد التقارير الخاصة بها، بما في ذلك التوصيات التطويرية، وعرضها على اللجنة الفرعية.
ولهذا، فإننا نقترح بعد مرور 15 عاما من إنشاء اللجنة في شكلها الأولي أن تتحول "اللجنة العليا للتنظيم الإداري" إلى "وزارة لشؤون التغيير"، تكون بمثابة مكتب إدارة المشروعات للحكومة السعودية (PMO)، وتتولى هذه الوزارة إدارة وتنفيذ مشروعات "التغيير" الكبرى في السعودية، ذات الطابع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتواصل دور اللجنة العليا في تنفيذ "مشروع التنظيم الإداري للأجهزة الحكومية"، على أن يتم إلغاء وزارة الاقتصاد والتخطيط، ونقل مهام التخطيط إلى وزارة شؤون التغيير، وإعادة مهام الاقتصاد إلى وزارة المالية.
كما يمكن أن يضم تحت مظلة "وزارة شؤون التغيير" مركزا هو "مركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية" التابع لمعهد الإدارة العامة، الذي أنشئ بناء على توصية "اللجنة العليا للتنظيم الإداري" ذاتها، وهذا المركز لو نقل إلى الوزارة فسيسهم في مساعدتها على وضع أدوات لقياس فعالية (القدرة على تحقيق الهدف) وكفاءة (القدرة على استغلال الموارد) كل جهاز حكومي ومدى حاجته إلى أي من مشروعات التغيير.
شخصيا، لا أفضل إنشاء كيانات حكومية جديدة في السعودية، قناعة مني أن الكيانات الحالية كافية من حيث "العدد"، لكنها من حيث "النوع"، تحتاج بكل تأكيد إلى إعادة هيكلة (غربلة ودمج وإلغاء كيانات) ترفع من مستوى فعاليتها وكفاءتها، لكني في هذا "المقترح" أجد نفسي مضطرا إلى طرحه بهدف إيجاد "مظلة حكومية موحدة"، تتبنى وتشرف على مشروعات التغيير عندنا، بدلا من أن تتوزع مهام التغيير على "لجنة"، أعضاؤها ربما مشغولون في مهام عملهم الأساسية، وقد ينقسمون بين مؤيد وغير مؤيد لأفكار التغيير، والانقسام في وجهات النظر أمر طبيعي، إلا إذا طال أمده!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي