وكالات السيارات وحماية المستهلك

يدّعي وكلاء السيارات في التقرير المنشور في "الاقتصادية" بتاريخ 22 أيار (مايو) 2014، أن قلة شكاوى العملاء نسبة إلى حجم المبيعات ــ كما أشارت بيانات وزارة التجارة ــ دليل على رضا المستهلك. قد يكون هذا الاستنتاج صحيحا، ولكنه قد يدل على العكس تماما إذا غابت قنوات الشكوى التي تنال ثقة العميل، وقبل ذلك إذا تدنى وعي العميل نفسه. وفي التقرير نفسه يُدّعي أن إعلان الوزارة عن هذه الاستبيانات غير قانوني، وأن الوزارة ليست جهة محايدة بما يكفي للقيام بذلك! حيادية وزارة التجارة تقتضى عليها الإعلان عن هذه الآراء المهمة دون أن تعلق عليها، وهذا ما فعلته، وهو أمر مهم تشكر عليه.
تستحق الجهود الأخيرة المتعلقة بحماية مستهلكي السيارات الوقوف والتأمل. لأن هذه المسألة ليست مشكلة آنية ومؤقتة سواء تم حلها بنجاح أو تعثرت خلال الأشهر المقبلة، بل هي ترميز لقضية كبرى في سوقنا المحلي، تتعلق باستغلال متكرر ودائم للمستهلك من قبل البائعين ومقدمي الخدمات. تتعدد أسباب هذه القضية وتبدأ من عدالة السوق والوعي الاستهلاكي إلى فاعلية القنوات القانونية. يؤثر كذلك غياب الإفصاح المالي خارج نطاق سوق الأسهم، يمكننا التكهن بكل بساطة بأن أصحاب الأعمال هنا يحصلون على هوامش ربحية مرضية لا تتأثر كثيرا بوجهة نظر المستهلك ــ حسب مستوى تعبيره الحالي، وعليه، نجد أن العلاقة مع المستهلك هشة وغير مرضية، على الرغم من أنه يستمر في الاستهلاك! لهذا لا بد أن يُسلط الضوء على مثل هذه القضايا التي يتناولها الرأي العام فهي تصنع ثقافة جديدة، وربما تُخرج الكثير من الترسبات السابقة حول علاقة المستهلك بما يستهلكه، وقبل ذلك، حول علاقته بالبائعين ومقدمي الخدمات.
في أي مكان في العالم، يخاف ويحذر التاجر من نوعين من المخاطر، المخاطر التجارية ــ التي يستطيع أن يحفزها المستهلك بالمقاطعة ــ والمخاطر التنظيمية التي تتمثل في زيادة الأنظمة والقوانين لتحقيق التوازن أو إزالة الظلم عن طرف ما. وفي بلد مثل المملكة حيث يختل ميزان القوى الشرائية وتغيب مجموعات حماية المستهلك الحقيقية، لا تنجح المقاطعة، ولا يبقى عند المستهلك إلا الأمل في زيادة التشريعات التي تحميه. أي أن يدفع المستهلك نحو زيادة المخاطر التنظيمية للتاجر، فهذا ما يمكنه في النهاية من الحصول على الخدمات بطريقة عادلة.
نلاحظ كذلك أن الوزارة تتعامل مع كتل تجارية ضخمة، فتنظيم وتطوير أداء وكلاء السيارات لا يشبه تنظيم المطاعم والحلاقين ولا حتى المدارس والمستشفيات. بعض الوكلاء لدينا لديهم حصص معتبرة من السوق ــ وربما تأثير إقليمي كذلك ــ مع علاقات راسخة مع عدة جهات حكومية وصورة نمطية عتيدة تكون على مدى عشرات السنين، وهذا يؤثر بلا شك في أي محاولة للتنظيم بأسلوب جديد ومغاير.
المتابع لتحركات الوزارة الجديدة يجد أنها قامت بعدة خطوات منها الضغط على المصدر بالحديث مع المصنعين في البلد الأم والتشهير في بعض الحالات، إضافة إلى إعلانات الاستبيانات. ويكفي من هذه الخطوات أنها تحرك العلاقة بين المستهلكين والأعمال التجارية بصورة لم تحدث من قبل. لا أتمنى أن تحدث حرب استبيانات أو نزاعات ظاهرية وصخب لا فائدة منه، ولكن أعتقد أن المستهلك يتطلع إلى أن تتفاعل وكالات السيارات مع جهود الوزارة ــ خصوصا بوجود بضعة وكالات مؤثرة على مستوى المجتمع وليس السوق فقط ــ وتساهم في تحسين بيئة الأعمال، لمصلحة المستهلك ولمصلحة أصحاب الأعمال أنفسهم. المواقف الدفاعية لوكلاء السيارات لا تخدمهم، وأعتقد أن من يبادر منهم بكسب رضا العملاء عن طريق برامج تحسين الخدمات، هو من سينال ثقة المستهلك في المستقبل القريب والبعيد. نعم، قد ينتقل جزء من هذه التفاعلات إلى الجهات القانونية، وهذا متوقع وإيجابي بشرط أن يكتمل دور هذه الجهات القانونية نحو حل المشكلة وليس تأجيلها أو إخفاءها.
لم تتحرك الوزارة في هذه القضية وغيرها من القضايا إلا بعد هدوء جمعية حماية المستهلك من جهة، وزيادة صخب السوق من جهة أخرى. وهذه في نظري فرصة للجمعية بأن تعيد النظر في الجهود المقدمة منها، خصوصا مع تحركات الوزارة الأخيرة التي ستكون داعمة لها بكل تأكيد. فالجمعية، كما ينص نظامها الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (3) وتاريخ 12/1/1429هـ، تهدف إلى العناية بشؤون المستهلك ورعاية مصالحه والمحافظة على حقوقه والدفاع عنها وتبني قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة. وكذلك ينص النظام على أن من اختصاصات الجمعية اقتراح الأنظمة ذات الصلة بحماية المستهلك وتطويرها. على الأقل، تستطيع الجمعية الخروج بقدر لا بأس به من مرئيات العموم حول البنود الخاصة بحماية المستهلك في نظام الوكالات التجارية وغيره من الأنظمة، إلى جانب دورها المأمول والمنتظر في توعية المستهلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي