لماذا لا يحصر الاكتتاب على الأفراد فقط؟
كل فترة تظهر للسطح معلومات مسربة حول الطروحات الجديدة في السوق! قد تكون هذه الاكتتابات المتوقعة حقيقة وقد تكون من بنات الأفكار، أو شائعات مواقع التواصل الاجتماعي التي لا ضابط لها، ولا تتضح الحقائق إلا بعد إعلانات هيئة سوق المال أو تداول أو تصريحات مسؤولي هذه الشركات ببيان واقعها.
ومع كل شائعة يخرج البعض من المتعاملين والمستثمرين ليطالب بتقنين طرح الشركات وعدم التمادي في الطروحات، بحجة تأثيرها في السيولة في السوق، وتزداد حدة المعارضة بحسب قوة الشائعة وحجم الشركات التى ستطرح! وذلك وفقاً لقانون الجذب والطرد؛ فردود الفعل مساوية للشائعة في القوة ومضادة لها في الاتجاه.
هذه المطالب بتقليل الطروحات أراها غير ناضجة ونفعية بامتياز، وهدفها الرئيس المحافظة على ارتفاع قيمة الأسهم باستمرار، وإلا فإن المكررات التي وصلتها أسعار الأسهم في السوق تعتبر مؤشر قلق ونذير خطر، وأحد الحلول المثلى لتقليل حدتها يتم بالطروحات المستمرة.
بلغ متوسط الاكتتابات الجديدة ما يقارب عشرة اكتتابات سنوياً، لو استبعدنا منها شركات التأمين لانخفض العدد بشكل مؤثر. هذ العام هناك أربعة اكتتابات مؤكدة تم منها اثنان وهما "أسواق المزرعة" و"أسمنت أم القرى" والثالث في الطريق وهو "مستشفيات الحمادي" والرابع تم الإعلان عنه وهو "البنك الأهلي".
إن من يطالب بتقنين عدد أو حجم الاكتتابات في السوق لا أجد أفضل تشبيهاً له ممن يدعو الله أن يخفف القطر من السماء! وقوة السوق تحسب بالعديد من العوامل الرئيسة أحدها عدد الشركات المدرجة في السوق، وعدد الشركات في السوق ما زال ضعيفاً مقارنة بحجم السوق والاقتصاد المحلي، وكذلك عند المقارنة بالوزن الاقتصادي للمملكة عالميا.
إن زيادة عمق السوق أحد المتطلبات الرئيسة لأي سوق فعّالة ونشطة وديناميكية وقوية، وزيادة عمق السوق تكون بزيادة عدد الشركات وقوتها وقدرتها على البقاء والنمو والربحية والتوزيعات بشكل مستقر ومتنام ومتوازن، إضافة إلى شمولية السوق للقطاعات الرئيسة للأعمال.
الأهم من عدد الشركات، وما يجب أن يهتم به المسؤولون عند الطرح هو قوة الشركة المالية ووضعها السوقي القانوني والفني والإداري، حتى لا نفاجأ ويفجع المساهمون بضربة قاضية لاستثماراتهم ومدخراتهم نتيجة لخلل في أي من هذه الجوانب.
كما أن بعض قطاعات السوق ما زال ضعيفا جدا مثل قطاع التعليم، حيث لا توجد إلا شركة واحدة فيه مع أن الفرص أمامه واعدة، وبعض قطاعات السوق متخمة بشركات من وزن الريشة، مثل قطاع شركات التأمين.
مما استبشر به المتعاملون أخيرا إعلان البنك الأهلي عن طرح جزء من أسهمه للاكتتاب العام، وهو إعلان تأخر كثيراً، فهو البنك الوحيد الذي لا يزال ملكية خاصة معظمها للدولة، كانت المفاجأة أن يتم الطرح لنسبة قدرها 25 في المائة فقط للجمهور، وإذا استبعدنا ما تم تخصيصه منها للتقاعد وهو 10 في المائة من الأسهم المدرجة سيتبقى فعلياً للجمهور 15 في المائة فقط من قيمة الطرح! وهو حدث يتم للمرة الثانية في عمر سوق المال، إذ لم يحصل أن قلّت النسبة المطروحة للجمهور عن 30 في المائة، باستثناء حالة واحدة كانت لشركة المملكة القابضة، التي خضع تقييمها لظروف استثنائية تمت إثارتها وإشباعها نقاشاً في حينها، لكن كان أهمها أن تخفيض نسبة الطرح كان لحماية السوق والمستثمرين أكثر من أي مبرر آخر.
الظاهرة العامة في السوق أن الشركات تزيد قيمة أسهمها في السوق بمجرد إغلاق الاكتتاب ومباشرة التداول، وتستمر على هذا الحال لمدة تصل إلى أسابيع خاصة في أوقات رواج السوق، لذلك يصر معظم ملاك الشركات المطروحة على الاحتفاظ بنسب أكبر، وتقليل نسبة الطرح للحد الأدنى للاستفادة من تزايد قيمة السهم التي تتم بعد إقفال الاكتتاب.
إن حدث ذلك في الشركات التي تملكها الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال، فليس من المنطقي ولا من اللائق أن يتم ذلك لشركات تملكها الحكومة، والبنك الأهلي مثال صارخ على هذا التجاوز، وخروج عن المألوف، حتى في الشركات التي تسيطر عليها الحكومة مثل "سابك" و"الاتصالات السعودية". وتخفيض نسبة الطرح في البنك الأهلي لأقل من 30 في المائة لتصل إلى 15 في المائة، إن تمت تعتبر مخالفة صريحة لقواعد التسجيل والإدراج، وهي مقدمة غير محمودة لاستثناءات مستقبلية قد تتم لسلوك استثماري في الإدراج والطرح، وتعطي الحجة والذريعة لشركات أخرى لأن تتمثل بها.
ولا يمكن اعتبار تخصيص 200 مليون سهم من أسهم البنك الأهلي، وهو ما يعادل 10 في المائة من الطرح لمؤسسة التقاعد، ولا الـ 10 في المائة التي قبلها لمؤسسة التأمينات من الطرح! فهي لم تطرح للجمهور، لكنها خصصت تخصيصاً للمؤسسات خارج الطرح.
أتمنى من الهيئة أن تحصر الاكتتاب في البنك الأهلي للمتعاملين الأفراد فقط، بحيث لا تتاح الفرصة فيه للمؤسسات الاستثمارية، حتى لا تزاحم المتعاملين في فرصتهم الضئيلة بالفوز بحفنة من الأسهم يستفيدون منها.
كما أن الأولى بوزارة المالية، وهي ممثلة الدولة المالكة للحصة الأكبر في البنك، أن تكون المبادر لإعطاء الفرصة للجمهور من المكتتبين للتكسب، بدلاً من منح الفرصة المتميزة لمؤسسات التقاعد والتأمينات على طبق من ذهب.