المصارف السعودية في مواجهة جرائم الألفية الجديدة

لا شك أن هناك العديد من التحديات والقضايا الأخلاقية التي تواجهها تقنية المعلومات خاصة في "الأوساط التجارية"، ما أدى إلى طرح تساؤلات أخلاقية، حول تأثيرها في المجتمع، من خلال انتهاك الخصوصية وانتشار "جرائم الألفية الجديدة" أو ما يعرف بـ "الجرائم الرقمية". ما نتج عنه ضرورة تبنّي بعض التدابير والإجراءات الوقائية، واستراتيجيات أمن المعلومات، لحماية التطبيقات من مخاطر الاستخدام غير المرخص، والوصول غير المشروع، للحصول على معلومات أو ممتلكات مادية.
وفي هذا السياق، وإدراكاً من المصارف السعودية للتطورات التقنية المتسارعة، جاءت حملتها تحت عنوان "لا تفشيها"، الذي دأبت على استخدامه منذ عام 2009م حتى الآن، حيث أطلقت حملتها "السادسة" على التوالي تحت العنوان نفسه، وذلك من منطلق أن أغلب المشاكل التي يواجهها عملاء المصارف سببها الرئيس هو "إفشاء معلوماتهم للآخرين". وقد جاءت حملة هذا العام تحت شعار "وأنت الكسبان"، لتجسيد حقيقة أن المحافظة على البيانات المصرفية تجنب العميل أن يكون عرضة لعملية احتيالٍ مالي ومصرفي، وبالتالي هو "الكسبان" والرابح بنهاية الأمر.
واستخدمت المصارف السعودية في هذه الحملة وسابقاتها تطبيق "360 درجة" في الإعلان والتوعية، أو ما يعرف بـ above the line and below the line، الذي يعني استخدام الإعلام بكل أشكاله بما في ذلك الإعلام الجديد. كما استخدمت كل "منافذ البيع" الخاصة بها، إضافةً إلى الرسائل النصية، والشاشات الموجودة على طائرات "الخطوط الجوية السعودية". وفي حملة هذا العام بالتحديد استخدمت تقنية QR reader. ومن بين الأدوات الفاعلة إيجاد مراكز متنقلة "في المراكز والأسواق التجارية الكبيرة" في مناطق المملكة، التي تعمل على مدار إجازة نهاية الأسبوع، بشكل جاذب ومشوق، لإيصال الرسالة التوعوية لمرتادي تلك المراكز. كما تضمنت أياماً مخصصة بتلك المراكز "للنشء"، بأسلوب تربوي يتناسب مع الفئات العمرية المستهدفة ما بين أربعة أعوام وأحد عشر عاما، وإن كانت التوعية للنشء لا تأخذ الطابع المصرفي البحت، ولكن تأخذ الطابع المتعلق بالمحافظة على المعلومات الشخصية المهمة للنشء، كعنوان المنزل، ورقم الهاتف، وغير ذلك. إضافة إلى توجههم إلى "ذوي الاحتياجات الخاصة"، من خلال عقد محاضرات وندوات لكفيفي البصر باستخدام مطويات كُتبت بلغة "برايل"، كما قامت بعقد ورش وندوات للصم والبكم. وحسب المعلومات المتوافرة لدي، بأن المصارف السعودية ستقوم في حملة هذا العام، بتصميم تطبيقات على الهواتف الذكية تتضمن النصائح التوعوية للحملة.
ومن أبرز ما تضمنته حملة التوعية هذا العام لرسائل توعوية، عدم الاستجابة للاتصالات الهاتفية، أو الرسائل الإلكترونية، التي تطلب من العميل تحديث بياناته المصرفية، حيث إن الوسيلة الوحيدة للقيام بذلك هي من خلال "شبكة فروع المصارف" فقط، وذلك حفاظاً على سرية المعلومات، وتخوفاً من أن يكون هذا المتصل محتالاً، يستدرج العميل في أخذ بياناته. ومن بين الرسائل عدم التفاعل مع الرسائل النصية والإلكترونية التي تزعم فوز العميل بجائزة عينية أو نقدية، وحذفها على الفور من الهاتف الخلوي أو البريد الإلكتروني، لما تنطوي عليه من عمليات احتيال مالي متنوعة. مع التنبيه على عدم التعامل مع الملصقات والإعلانات الدعائية بسداد المديونيات وتمويل المشاريع، التي عادة ما يرمز إليها أصحابها أو مروجوها بكنية معينة "مثل أبو فلان"، باعتبار أن هذا السلوك غير نظامي، وغير مرخص له بممارسة العمل المصرفي بموجب القوانين والأنظمة المصرفية في المملكة، وبالتحديد "نظام مراقبة المصارف"، بالمادة الثانية التي حددت الأشخاص الذين يحق لهم ممارسة العمل المصرفي. كما حذرت من التسوق الإلكتروني في المواقع مجهولة الهوية والمصدر، التي لا تتمتع بتدابير أمنية واحترازية كافية أثناء تسوق العميل، واستخدامه إحدى البطاقات البنكية في دفع قيمة المشتريات من السلع والخدمات. ومع أن هناك العديد من الدلالات التي توضح سلامة الموقع من عدمه، إلا أنه في جميع الأحوال في حالة اشتباه العميل في كون الموقع غير سليم، يجب عليه المبادرة في التحقق من الجهة المسؤولة عن هذا الموقع، تخوفاً من أن يكون مزوراً.
وتستخدم المصارف السعودية أدوات قياس متعددة للحكم على نجاح تلك الحملات وتحقيقها لأهدافها من عدمه، التي من بينها نسبة الانخفاض في أعداد الشكاوى التي تأتي للمصارف في كل عام، ومقارنتها بالأعوام السابقة، والتي شهدت انخفاضاً إلى النصف خلال العام الماضي عما كانت عليه في الأعوام السابقة وبالتحديد عامي 2011م/ 2012م، وذلك وفق تصريح لطلعت بن زكي حافظ الأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية في المصارف السعودية والمنبثقة عن لجنة رؤساء مجالس إدارات المصارف. كما أن من بين أدوات القياس القيام بعمل استفتاء للحكم على مدى الاستفادة من كل حملة، وللتعرف أيضاً على مواطن القوة والمواطن الأخرى التي تحتاج إلى المزيد من التقوية، ويتم عمل التقييم من خلال شركات محايدة ومتخصصة في مجال تقييم حملات توعية مماثلة.
وهنا قد يطرح سؤال: لماذا دأبت المصارف السعودية على إطلاق مثل هذه الحملات التوعوية تزامناً مع موسم الصيف وبدء الإجازة الصيفية كل عام؟ وفق تصريح آخر للأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية، بأن السبب في ذلك هو أن هذا الموسم عادةً ما يشهد حراكاً متزايداً عن بقية المواسم على الشراء والسفر والترحال، مما استدعى تكثيف الحملات التوعوية، محاولةً لتحذير العملاء بالاستخدامات المثلى للقنوات الإلكترونية والبطاقات المصرفية المختلفة، لتجنيبهم أن يكونوا عرضة لعمليات احتيال مالي خارج المملكة. وفي هذا السياق طلبت المصارف السعودية من عملائها ضرورة المحافظة على بطاقاتهم المصرفية ومعلوماتهم الشخصية في الخارج، بما في ذلك تجنب استخدام أرقام سرية يسهل التعرف عليها، كأرقام متكررة "1111، 2222"، أو متسلسلة "1234، 6789"، أو أن تكون مشتقة من رقم هاتف المنزل، أو تاريخ الميلاد، أو بطاقة رسمية، حيث إنه في حالة ضياع أو سرقة المحفظة الشخصية، يسهل على المحتال أن يتعرف على الأرقام. كما قد نبهت بضرورة حفظ الرقم السري عن ظهر قلب، وعدم كتابته على البطاقة البنكية، أو الحافظة الخاصة بها. وأخيراً وليس آخراً، نبهت المصارف السعودية بضرورة تغيير الرقم السري فور الوصول إلى المملكة والعودة من الإجازة الصيفية، تفادياً لأن يكون هذا الرقم قد كشف عنه لدى جهة ما، أو شخص ما قد يسيء استخدامه. كما نبهت بضرورة إبقاء الجوال المعرف رقمه لدى المصرف في حالة تشغيل مستمر خلال السفر، ليتمكن المصرف من إرسال الرسائل للعميل، وبالتالي اطلاعه عليها، لتعرفه على العمليات التي تمت على حسابه.
وعلى الرغم من جميع هذه الجهود التوعوية المشكورة للمصارف السعودية، إلا أن أمر نجاح تلك الحملات، وتحقيقها لأهدافها النبيلة والسامية، سيظل أمراً مرهوناً بمدى استجابة العميل لتلك النصائح، وأخذها على محمل الجد، والتعامل معها بالشكل الذي يجنبه الوقوع ضحية لأي من عمليات الاحتيال المالي، سواءً في الداخل أو في الخارج. وبمعنى آخر، فإن "عميل المصرف" هو حجر الزاوية وهو المنعطف الأساسي في تجنب عمليات الاحتيال المالي والمصرفي، في حالة التزامه بالتعليمات الخاصة بالمحافظة على البطاقات البنكية والمعلومات الشخصية بما في ذلك البيانات المصرفية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي