السعودية بين القيم والمصالح

استمرارا لما سبق طرحه حول بناء الوطن في ضوء ما نعيشه اليوم في عالمنا العربي بشكل خاص والعالم بشكل عام من قلاقل وفتن وحروب وصراعات مصالح وأهواء وحاجة الدول إلى إعادة النظر في البناء الداخلي للإنسان ومكان كل دولة وما سبق التأكيد عليه من أهمية تعزيز الجبهة الداخلية وحسن البناء الإنساني ضمن منظومة البناء العام والتأكيد على أن الإنسان هو مفصل وجوهرة البناء وتعزيز القوة الداخلية وأهمية عدم الركون إلى أصحاب المصالح المتغيرين والمتلونين مع تغير الظروف والمصالح وخطورة مثل هؤلاء على حماية الجبهة الداخلية وفي هذا الصدد يقال: إن الصين بنَت سورها الشهير خلال مئات السنين لحماية أراضيها من الغزو الخارجي واعتقدوا أنهم بهذا البناء العظيم سوف يحمون وطنهم من أي غزو خارجي ومع ذلك يقال: إن الصين خلال الـ 100 سنة الأولى بعد بنائها لسورها العظيم تم غزوها مرات عديدة وفي كل مرة لم تحتج الجيوش الغازية إلى تسلق السور العظيم ولكنها فقط احتاجت أن تغزو الحارس على البوابة بالرشوة ويدخلون بكل سلام من الباب لأن الصينيين كما تقول الرواية: اهتموا ببناء السور ولم يهتموا ببناء الحارس الأمين الممثل للإنسان الصيني الأمين بمعنى أنهم نسوا أو لم يروا حاجة إلى بناء الإنسان من الداخل بالمبادئ والقيم الوطنية التي تجعل منه السور العظيم لحماية وطنه.
إن الاهتمام ببناء الإنسان وجعله مواطنا صالحا منتجا من خلال تعزيز المبادئ الإسلامية وتقوية القيم الوطنية وحب العمل وجعله شريكا أساسيا ومهما في بناء الدولة وتقوية دور كل مواطن ومواطنة من موقعه الذي يعمل فيه ويسكن به في حماية وطنه وجعل مثل هذا الاهتمام والحرص على البناء الإنساني السليم هو جوهر الاهتمام ثم الاهتمام ببقية الدفاعات الضرورية لحماية الوطن المنطلقة من مصالح الوطن وعلاقته بالآخرين.
إن بناء الإنسان وحمايته من الداخل قبل البناء من الخارج من خلال القيم والمبادئ هو الأولى والأهم لتعزيز وتقوية الجبهة الداخلية والحرص على اختيار الكفاءات التي تنطلق من فهم ورؤية "القوي الأمين" وبناء الوطن من الخارج يأتي من خلال علاقاته مع الآخرين خارج الوطن وفقاً للمصالح التي تحقق للوطن والمواطن متطلبات التقدم والرخاء وهذان الأمران في البناء وبين القيم والمصالح هي ما يمكن العمل عليهما وتركيز الاهتمام بهما في رؤيتنا واستراتيجيتنا الوطنية للمرحلة القادمة حتى نحقق بعد توفيق الله سبحانه وتعالى استمرار الاستقرار والترابط الداخلي ونقوي من موقعنا بين دول العالم.
إن الاهتمام بالبناء الداخلي لإنسان المملكة العربية السعودية وتحقيق الاستقرار الأسري والمجتمعي والقضاء على كل مظاهر ضعف الجبهة الداخلية سوف يزيد من قوتنا الداخلية ويعزز من مواقعنا الخارجية ويرى كل من تسول له نفسه شرا بالمملكة أن الأبواب موصدة في وجهه بكل أشكالها وأحجامها وأن سورنا السعودي العظيم هو إنسان المملكة العربية السعودية وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه بالاعتماد على أصحاب المصالح والأهواء الخاصة الذين يتغيرون ويتلونون مع مصالحهم ورغباتهم ويكون بيع الوطن والمواطن هو أسهل وأرخص شيء عندهم على أساس أن الوطن المباع له وطن بديل وينسى مثل هؤلاء البائعين لأوطانهم أن المشتري الجديد عندما يحقق التمكين يكونون هم أول ضحاياه على أساس من باع غيرك لك سوف يبيعك لغيرك والتاريخ مليء بمثل هذه الأحداث والقصص التي تبقى شاهدا عظيما على ثمن خيانة الوطن داخليا وخارجيا.
إن الالتفات الكبير والدائم للوطن والمواطن وتلمس احتياجاته الفعلية والعمل على وضع الأولويات لتحقيقها ثم متابعة ذلك ومحاسبة المقصر أو المتسبب في عدم تنفيذها أو تأخيرها أو التلاعب فيها وفي نفس الوقت عمل المواطن مع القيادة في حماية اللحمة الداخلية وتقويتها والقضاء على أسباب ضعفها بما يحقق التكامل القوي داخل الوطن بين القيادة والمواطن لأن عدم الاهتمام بذلك أو التراخي أو التأخر فيه سوف يجعل فاتورة الثمن غالية وربما لا يمكن دفعها أو إصلاح الخلل وهنا لا ينفع البكاء على الأطلال أو محاولة القوس بعد الغوص كما نقول في أمثالنا الدارجة.
إن تعزيز المبادئ الإسلامية وتقوية القيم الوطنية والحرص على بنائها البناء السليم في نفوس جميع المواطنين والتأكيد على أن حماية الوطن والحرص على استقراره هو مسؤولية ومطلب الجميع وأن كل مواطن مهما اختلف موقعه ومسؤوليته وعمره هو شريك في هذا البناء والحماية حتى نحقق قول المصطفى علية الصلاة والسلام: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
وفق الله الجميع لدعم واستقرار ونمو وتنمية وطننا الغالي المملكة العربية السعودية.

وقفة تأمل:

"ترى الشدايد وعسر الايام والضيق
تظهر حقايق صاحبك لاجهلته
إما إرتكا مثل الجبال الشواهيق
ولا صغر في ناظرك واحتقرته"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي