إنستاجرام.. يصنع فرص عمل ذهبية
في ظل أزمة البطالة التي تؤرق السعودية منذ سنوات، استطاع الكثير من الشباب والفتيات خلق فرص عمل لأنفسهم ولأقاربهم، وتمكنوا من القفز على الحواجز الحكومية والاجتماعية التي تعترض طريقهم عند افتتاح مشروعات صغيرة في السوق، فلجأوا إلى "إنستاجرام" لعرض وبيع منتجاتهم وخدماتهم.
قفزوا على تلك الحواجز بنجاح، لا سيما عندما نتذكر أن "البنك الدولي" قد أشار إلى أن السعوديين يحتاجون إلى 30 معاملة، و191 يوما لبدء نشاطهم التجاري (تقرير "سهولة ممارسة الأعمال")!
لقد سهل "إنستاجرام" الأمر، فانتهز العصاميون والعصاميات ولع الناس بالصور الجذابة، ومدى تأثير هذه الصور في عين المستهلك وعقله، واستخدموا الموقع الشهير لافتتاح مشروعات صغيرة تتنوع أنشطتها من طبخ الأكلات الشعبية، وتجهيز الولائم، وتحضير الحلويات، إلى بيع الملابس، والإكسسوارات، والعطور، وليس انتهاء بالأواني المنزلية، وتنظيم حفلات الأطفال.
نشأ عندنا سوق غير رسمي ضمن اقتصادنا الوطني، وهو سوق يبدو واسعا ونشطا لمن يتعامل مع "إنستاجرام" تجاريا، إلا أن الجهات الحكومية مع الأسف لم تتواكب مع هذا السوق أو تعترف به أو تقدم له أي دعم أو مساندة، بل إنني أستغرب أن وزارة التجارة والصناعة – رغم شغف وزيرها النشط بالتقنية – لم تتبنَ أية مبادرات تخص مشروعات "إنستاجرام" على وجه الخصوص، أو تخص مشروعات التجارة الإلكترونية على وجه العموم.
موقع "إنستاجرام" الذي أسس في أكتوبر 2010، لعرض وتبادل الصور ومقاطع الفيديو، بدأ ينتشر في السعودية منذ عام 2012، مؤديا إلى تغيير سلوكيات البعض، فيحول مثلا "فتاة مستهلكة" اعتادت على تصوير الأطباق التي تتناولها في المطاعم، إلى "فتاة منتجة" تحضر تلك الأطباق في مطبخها وتبيعها على نطاق مدينتها.
من الجميل أن نوظف وسائل التواصل الاجتماعي في أمور تضيف قيمة للفرد والمجتمع، وهذا ما اتضح في دور "إنستاجرام" الذي خدم التجارة الإلكترونية في السعودية، وشجع الشباب والفتيات على كسر رهبة السوق، والخوض في البيع والشراء مباشرة.
وقد يظن بعض القراء أن رواد ورائدات "إنستاجرام" ينتمون إلى أسر محتاجة، مضطرة إلى توفير مصدر دخل لإعالة أسرهم، والحقيقة أن هذا غير صحيح، إذ إن هناك ممن ينتمي إلى أسر ميسورة الحال، ويريد أن يخط لنفسه مسارا تجاريا، ينطلق من خلاله إلى آفاق أرحب.
بل لم يكتف "إنستاجرام" بتشجيع الشباب والفتيات لافتتاح مشروعاتهم الصغيرة، إنما شجع على خلق فرص عمل (مساندة) جديدة لشباب امتهنوا وظيفة جديدة اسمها "مندوب مشاوير"، وهو الذي يقوم بخدمة توصيل "السلعة المشتراة" من صاحب أو صاحبة المشروع – إذا لم تتوافر لديه خدمة التوصيل- إلى الزبائن.
من وجهة نظري، يجب أن نشجع مشروعات "إنستاجرام"، ونخرجها من إطار اللارسمية إلى إطار الرسمية، وأن نعترف بها، بشرط – وهنا يجب أن نضع أكثر من خط تحت العبارة التالية - ألا نتسبب في مضايقة هذه المشروعات الواعدة أو نرهقها بأية رسوم أو ضرائب تقتلها!
ولهذا، نطرح على وزارة التجارة والصناعة جملة من الأفكار والمبادرات لتنمية هذه المشروعات الناشئة ورعايتها:
- أن تواكب الوزارة العصر بأن تمنح أصحاب وصاحبات مشروعات "إنستاجرام" سجلا تجاريا "إلكترونيا"، يخول صاحبه العمل من المنزل، وينظم العلاقة بينه وبين العملاء بصفة رسمية تحفظ حقوق الطرفين، فوجود "سجل تجاري إلكتروني" صادر عن جهة حكومية (وزارة التجارة) سيضفي الرسمية على عمل "الإنستاجراميين"، وربما يحفزهم لتطوير الفكرة من مجرد صفحة على "إنستاجرام" إلى إنشاء متجر إلكتروني معروف، يستطيعون – بموجب السجل التجاري الإلكتروني - الحصول على قروض من البنوك، وخدمات الدفع الإلكتروني (عبر بطاقات الإئتمان).
- أن تقيم وزارة التجارة شراكة مع الهيئة العامة للسياحة والآثار والجمعيات الخيرية لتشجيع الأسر المنتجة على الدخول إلى "إنستاجرام" وعرض منتجاتها وخدماتها، وتسويقها بشكل جذاب مع تقديم الإرشاد التجاري لها.
- أن تقيم وزارة التجارة شراكة مع البريد السعودي وشركات نقل وتوصيل الطرود، لتوصيل السلع بطريقة آمنة وسريعة من صاحب المشروع إلى عملائه داخل السعودية وخارجها.
- أن تبني وزارة التجارة بالشراكة مع الغرف التجارية والقطاع الخاص موقعا يكون بمثابة "دليل تجاري إلكتروني" يساعد الزبائن على التعرف على مشروعات "إنستاجرام" وغيرها، مصنفة حسب النشاط التجاري والمنطقة، وحسب مستوى تقييم خدماتها من قبل الوزارة والعملاء.
علينا أن نشجع مشروعات "إنستاجرام"، ونخرجها من دائرة الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي، لكي تصبح جزءا لا يتجزأ من اقتصادنا الوطني، ولو حقا فعلنا ذلك، فسنفتخر يوما ما أنه خرج من بين "الإنستاجراميين".. رجال وسيدات أعمال بارزون!