التخصص الأكاديمي .. ودعم الأسرة
كان "والي ماير" ولا يزال من أفضل المحترفين الذين قابلتهم في حياتي في تدريس تخصص ريادة الأعمال، وقد كانت بدايتي معه بأول كورس في مادة ريادة الأعمال 1 Entrepreneurship1، ثم تسلسلت معه حتى أنهيت المستوى الثالث من مواد هذا التخصص، ولو كانت وزارة التعليم تقبل بهذا التخصص للبعثات، لكنت توجهت إليه عوضا عن الإدارة المالية والمحاسبة. المهم أن مواد "والي" كانت من ألذ وأمتع المواد الأكاديمية، وكان والي ينبهنا دائما إلى أن إدارة الموارد بكفاءة في الحياة وفي المشاريع من أهم الأسباب للنجاح، وكان يأتينا بأصحاب تجارب تجارية يتحدثون عن تجاربهم، وفي أحد الأيام كان أحد أصحاب التجارب يتحدث عن حسن إدارة الموارد المالية وباغتني بسؤال: من مثلك الأعلى في هذه الحياة؟ فقلت له جدي لأمي عبد الله! فقال ولماذا؟ فقلت له أن يبدأ شخص حياته بيومية تبلغ نصف دولار في عام 1946، ثم يصبح من الميسورين فهذا يدعو للإعجاب حقا!
جدي الحاج عبد الله السنان حفظه الله تعدى 85 من عمره، وعلى الرغم من مشاكل هذه السن الصحية، إلا أنني ما زلت أرى في عينه بريق طموح وأمل. بدأ الجد عبد الله حياته عاملا في إحدى كافيتريات الموظفين في شركة أرامكو بيومية قدرها ريال ونصف الريال في عام 1946، وعلى الرغم من صغر سنه وأميّته، إلا أن هذا لم يمنعه من العمل في بيوت الموظفين الأجانب بعد ساعات عمله ليحصل على نصف ريال نظير خدمته لهم، كل هذا وهو يبلغ من العمر 16 عاما، وكان قبل انضمامه لـ "أرامكو" يعمل لدى أحد تجار المواد الغذائية في القطيف. خلال حياة الجد عبد الله أنجب ثمانية بين أولاد وبنات، وتزوج مرتين، وقدم الدعم المادي لأولاده في بداية حياة كل منهم، وامتلك كما لا بأس به من العقار، وعند تقاعده بعد خدمة 45 عاما في شركة أرامكو، كان راتبه لا يتجاوز العشرة آلاف ريال. ما ساعد الجد عبد الله في تحقيق عيشة كريمة لعائلته وتوسعه في امتلاك بعض العقارات هو أنه كان يخطط لحياته ماليا بدقة منقطعة النظير، ولإعالة ثمانية أولاد وأمهم بهذا الدخل البسيط، استخرج دكانا بجزء من بيته وأجّره، ثم اشترى ببعض ما كان يدخر بيتا متواضعا وأجّره، هذا إضافة إلى حرصه على دفع 10 في المائة من دخله لبرنامج ادخار الموظفين بـ "أرامكو"، آمن الجد عبد الله أن التدبير ليس نصف المعيشة، بل كلّها، وحقق بحسن إدارته ما لم يستطع تحقيقه بعض أقرانه من الأسر الميسورة، وجعل المال يولد مالا. وعلى الرغم من بساطة هذه التجربة، إلا أننا نستطيع استلهام أمر مهم، وهو أن تسبق زيادة الدخل زيادة تكاليف الحياة، لا العكس، وأن حسن إدارة الموارد المحدودة أهم بكثير من وجود موارد كبيرة دون حسن إدارة.