«المسح الأمني».. قبل التعيين
هل تتذكرون أن بعض الإجراءات الحكومية كانت في السابق تتطلب "تزكية" من إمام المسجد؟ الآن، "إمام المسجد" ومعه زميله "المؤذن" يحتاجان إلى "تزكية" لكن من نوع آخر!
إذ أوردت صحيفة "الحياة" خبرا مفاده أن "وزارة الداخلية" في السعودية أصدرت توجيهات بعدم توظيف الأئمة والمؤذنين إلا بعد اجتياز "مسح أمني"، تشارك في إجرائه جهات حكومية منها إمارات المناطق.
وتهدف الخطوة وفقا لمصدر رفيع تحدث إلى "الصحيفة" إلى زيادة المعايير والشروط النوعية للكفاءة التي يجب أن تتوافر في الأئمة والمؤذنين، ولا سيما خطباء الجوامع الكبيرة التي تقام فيها صلاة الجمعة ويتاح للخطيب فيها التأثير في جمهور عريض من العامة.
وتضيف "الصحيفة" أن وزارة الداخلية أبلغت نظيرتها وزارة الشؤون الإسلامية أخيرا أهمية التأكيد على مديري أفرع الشؤون الإسلامية في مختلف مناطق السعودية بعدم التعيين على وظيفتي "إمام" و"مؤذن" إلا بعد إجراء المسح الأمني اللازم قبل اعتمادهم.
وقد وجهت وزارة الشؤون الإسلامية خطابات "سرية" إلى أفرعها في المناطق والإدارات العامة للأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد، باعتماد إجراء المسح الأمني لمن يرغب الفرع والإدارات التابعة له في تعيينه بوظائف الأئمة والمؤذنين، وذلك عن طريق إمارات المناطق.
وبجانب هذا التنظيم الجديد، درجت وزارة الشؤون الإسلامية على اعتماد جملة الاشتراطات للراغبين في شغل وظائف الأئمة، من بينها أن يكون الإمام مؤهلا تأهيلا جامعيا شرعيا، وأن يكون عارفا بأحكام العبادات ومواقيتها، وقارئا للقرآن من دون لحن مع إتقانه للتجويد، وأن يحفظ عددا معينا من أجزاء القرآن الكريم، إضافة إلى اشتراط آخر كأن يكون الإمام قادرا على إلقاء خطبة الجمعة ومجيدا لإعدادها، وأن يكون عارفا بأحكام الصلاة ومواقيتها، بجانب اجتياز الإمام لاختبار من اللجنة الاستشارية المكونة من عدد من أصحاب الفضيلة المشايخ بفرع كل منطقة لمعرفة قدرته وكفاءته.
وبحسب الصحيفة، يشير التنظيم الجديد، الذي يعتمد اجتياز الإمام والمؤذن لمسح أمني، إلى تعاون بين وزارتي الداخلية والشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، لكن الأخيرة هي الجهة المخولة بمراقبة أداء الأئمة ومعاقبتهم.
ومن وجهة نظري، أن "المسح الأمني" يعد متطلبا مهما لمن يريد شغل وظيفتي "إمام" أو "مؤذن"، خاصة أن هاتين الوظيفتين ترتبطان بالقدرة على التأثير في أفراد المجتمع المحلي وتشكيل أفكارهم، لكن هناك جملة من التساؤلات، تحتاج إلى أجوبة من وزارتي الداخلية والشؤون الإسلامية لضمان تطبيق "المسح الأمني" تطبيقا سليما، وهي كالتالي:
• هل "المسح الأمني" يتم بطريقة إلكترونية "سريعة وسهلة" أم بطريقة تقليدية تستغرق أشهرا من البحث والتحري، ربما تؤخر إجراءات التعيين؟ إذا كانت بطريقة تقليدية، فلماذا لا تقوم وزارة الشؤون الإسلامية بإنشاء قاعدة بيانات تخص العاملين في المساجد والجوامع من أئمة ومؤذنين؟ وإذا أنشئت هذه القاعدة، يتم الربط بين وزارة الداخلية والشؤون الإسلامية لتحديث بيانات "المسح الأمني".
• إذا وجدت قاعدة بيانات للمساجد والجوامع، فيجب أن تتضمن بيانات تقييم أداء الأئمة والمؤذنين، بل إن وزارة الشؤون الإسلامية لو أرادت مواكبة العصر، لوفرت في كل مسجد وجامع جهازا إلكترونيا عند المدخل يتيح للمصلين تقييم أداء الإمام والمؤذن بعد كل صلاة "طريقة تقييم العملاء للموظفين"، ويرتبط هذا الجهاز بقاعدة بيانات الوزارة، التي يتم تحديثها بشكل فوري.
• هل يشمل المسح الأمني "مسحا فكريا" أم لا؟ إذا كنا نقصد بـ "المسح الأمني" التحقق من مدى وجود سوابق لشاغل الوظيفة، فإن الأغلبية العظمى من المتقدمين لوظيفتي "إمام" و"مؤذن" سيجتازون هذا الاختبار على اعتبار أن سجلاتهم "نظيفة"، وأنهم مؤهلون تأهيلا شرعيا وسلوكيا يجعلهم قدوة لغيرهم. لكن هذا المسح لا يقيس بالضرورة توجهاتهم الفكرية أو انتماءاتهم السياسية. ومع إيماني التام بحرية الفرد في فكره، إلا أنني أعارض قيام الفرد باستغلال الوظيفة العامة أو الخاصة لخدمة هذا الفكر "الأيديولوجيا" مهما كان. فالوظيفة استحدثت للقيام بعمل محدد وفق شروط محددة وضمن مؤسسة محددة تخدم هذا الوطن. ولهذا، نتساءل: ما الآليات التي تملكها وزارتا الداخلية والشؤون الإسلامية للتحقق من التوجهات الفكرية للمتقدم؟ ومع إحسان الظن بالجميع، إلا أنه كيف نضمن أن هذا المتقدم لا يتعاطف جهرا أو سرا مع جماعات أو حركات تصنفها السعودية بأنها "إرهابية"؟
• إذا كان "المسح الأمني" يتضمن بالفعل "مسحا فكريا"، فمن هو الذي يجريه؟ وزارة الداخلية أم وزارة الشؤون الإسلامية أم هي جهة أخرى؟ وكيف يتم؟ هل هي بطريقة كتابة تقارير سرية عن المتقدم أم اختبار أم ماذا؟ وما الذي يضمن أن الذي يجري "المسح الفكري" ــــ مهما كانت جهة عمله ـــ لا يتورط في اتهام آخرين أو تصنيفهم ضمن دوائر فكرية لا ينتمون إليها؟ بل ما الذي يضمن أن مجرى المسح الفكري نفسه ينتمي لفكر مخالف؟!
في النهاية، وكأحد العاملين في الموارد البشرية، أؤيد متطلب إجراء "المسح الأمني" عند التقدم لبعض الوظائف، ومنها وظيفتا "الإمام" و"المؤذن"، فهذا "المسح" يساعد على "غربلة" الذين يدخلون إلى المؤسسة، لكن علينا أن نجري هذا المسح بطريقة صحيحة لا تخطئ نتائجها، وبطريقة سليمة لا تضر أحدا.