كاميرات المراقبة وانعدام الثقة بمصارف الغرب

ما أعلن عنه بشأن سعي سلطات المال في نيويورك إلى وضع كاميرات مراقبة داخل صالات تداول العملات في كل من فروع دويتشه بنك وباركليز العاملة في نيويورك يشير إلى حدة وعمق انعدام الثقة بين السلطات المالية في نيويورك وهذه المصارف. التحقيقات الأولية تشير إلى تلاعبات ومحاولات التأثير في أسعار العملات. وعلى الرغم من عدم ثبوت شيء إلى الآن، إلا أن موقف جهات التحقيق متشدد. السوابق وتاريخ الممارسات غير الأخلاقية والتي تتسم بالغش والتضليل والتزوير والتواطؤ مع المجرمين كلها مؤشرات على أن ممارسات التأثير في العملات ليست بعيدة عن هذه المصارف وغيرها. والجديد هنا ليس تركيب كاميرات لمراقبة غرف التداول، بل الغريب أن التحكم المركزي لهذه الكاميرات لن يكون عند هذه المصارف، بل سيكون تحت التحكم المباشر لسلطات المال في نيويورك. فالثقة بإدارات هذه المصارف معدومة، ويبدو أن القائمين على التحقيقات في هذا الملف لا يستبعدون قيام إدارات فروع هذه المصارف بحذف ما يؤكد تخوفات المحققين.
انعدام الثقة بين السلطة المالية لولاية نيويورك وكثير من المصارف الأوروبية ليس وليد حادثة عرضية، بل نتاج تاريخ طويل من التدليس والتلاعب، بل وحتى التآمر والكذب وتقديم المعلومات الخاطئة التي من شأنها تضليل السلطات، بعض المصارف الأوروبية استخدمت فروعها في الولايات المتحدة كغطاء لتمرير عمليات مالية لدول تستهدف أمن الولايات المتحدة في الصميم. أحد المصارف الأوروبية وصل به الأمر إلى حد العمل على تزوير العمليات المالية لإحدى الدول الإرهابية لتمريرها من خلال الولايات المتحدة. مشكلة المصارف الأوروبية لا يمكن اختزالها في مجالس إدارات هذه المصارف فقط، فحتى البنوك المركزية لدول هذه المصارف تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن هذا الوضع الذي تغلب عليه الهستيرية.
شخصيا لا أعتقد أن سلوك هذه المصارف متجه نحو التغيير، فمع كل مخالفة يهرع المستثمرون لشراء سندات تدعيم رأسمال المصرف المجرم، غير آبهين بما ارتكبته هذه المصارف من انتهاكات أصابت الأمن الدولي في الصميم، وهذه مأساة أخلاقية أخرى. فهل فكرت الجهة التي تشتري السندات في أنها على أرض الواقع تقرض مجرمين لا يقيمون وزنا لأي خلق أو قيمة إنسانية سوية. ومع كل تصعيد من قبل سلطة مال نيويورك نجد وزراء مالية بل وحتى رؤساء حكومات الدول التي تنتمي إليها هذه المصارف يرفعون أصواتهم احتجاجا على المخالفات، هكذا وبكل وقاحة واستخفاف بكل من تضرر من تمويل الإرهاب وتزوير أسعار الفوائد والتلاعب بالعملات وغيرها من الجرائم المصرفية لم يدخل بسببها أي مصرفي السجن.
إن تركيب كاميرات مراقبة تحت التحكم المباشر لسلطة المال في نيويورك في صالات تداول العملات لمراقبة السماسرة والموظفين، رسالة مفادها أنه لم تعد هناك ثقة بادعاء أي مصرف أوروبي، كما أنها دليل على عدم ثقة الجهات التشريعية بأي دليل مقدم في أي قضية يتم التحقيق فيها. كما أن المستقبل لا يبشر بتغيير في سلوك المصارف الأوروبية التي تجد الوزراء ورؤساء الحكومات الذين يدافعون عن إجرامها، كما تجد المستثمرين يتسابقون على شراء السندات التي تدعم ملاءتها المالية، ملاءة ثبت استخدامها في تمويل الإرهاب والتغطية على تجار المخدرات وغيرهم من سفلة الأرض. إن الممارسة الصارمة للسيادة هو الطريق الفعال لمجابهة الخطر الناتج من ممارسات هذه المصارف المارقة، كما لا بد من رفع مستوى العقوبات لتشمل السجن، فلا يعقل أن يمشي من يسهل عمل المجرمين حرا طليقا، بينما ضحايا من كان يتواطأ معهم بمئات الآلاف بين قتلى وجرحى ومفلسين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي