شفافية إدارة الاقتصاد
من الدروس التي تستفاد من أي أزمة أو قضية، كيفية تجاوز هذه القضية أو الأزمة في المستقبل عبر وضع نظم وتشريعات وقوانين جديدة تمنع أو أقلها تخفف من وطء ومضاعفات المشكلة إن وقعت مرة أخرى، وهذا ينطبق على جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أنه من الواجب في كل جانب من هذه الجوانب تحقيق نسبة من الشفافية المرضية للناس أو الشريحة موضع التأثر بعين المشكلة أو القضية.
وهذا ما أفرزته لنا قضية "ساند"، والقضية التي جعلت ساند أمرا مهما هو مطالبة الناس للتأمينات الاجتماعية بالشفافية وترك أمر الانضمام لـ "ساند" من عدمه خيارا شخصيا، لأن كل المستفيدين من التأمينات هم أناس بالغون راشدون، وما يدفعونه للتأمينات هو جزء من أموالهم التي حصلوا عليها بتعبهم، فليست هبة أو منحة من أحد، وبناء على هذا المثال الحي، فإنه يجب التنبه لبروز مثل هذه القضية عند إحداث أي تغيير في أي صندوق من الصناديق العامة، كصندوق المعاشات والتقاعد، وصندوق الموارد البشرية، وكل حسابات الضرائب وغيرها، لأن كل صندوق من هذه الصناديق يعتبر صندوقا عاما، يساهم فيه جميع الناس، وكل ما فيه أتى وأنتج من عمل وجهد الناس، وينبغي أن يعلم الناس أين توجه أموالهم، وكيف يستفاد منها للمصلحة العامة، بل و المشاركة في إدارتها.
إن الدولة على أبوب مواجهة مع أكثر من مشكلة ستؤدي بشكل أو بآخر إلى الشفافية في إدارة الصناديق. أول هذه المشاكل النمو السكاني وازدياد الاحتياجات الأساسية من تعليم و صحة، والتي ستؤدي إلى تقلص تصدير النفط لحساب الاستخدام المحلي، مما سيؤدي إلى انخفاض الإيراد النفطي، وبالنتيجة مواجهة مشكلة عجز. وحتى لو كان هناك تنويع في مصادر الدخل، فإنه لن يستطيع سد عجز الميزانية، وغالبا ما ستلجأ الدولة لفرض ضرائب جديدة، أو زيادة ضرائب حالية، وكل هذا سيؤدي إلى سؤال مهم: كيف ستدار هذه الأموال، فالمال سيأتي من الناس ليلبي حاجات الناس المختلفة الصحية والتعليمية والاقتصادية والتأمينية، وسيسأل الناس الأسئلة نفسها من سيدير المال، وكيف سيدار المال، وكيف سنشارك في إدارة المال، وستكون هناك أزمة تشريعية وقانونية كبيرة.
هناك فرق كبير بين إدارة الدولة الراعية ــــ الدولة التي تتولى توفير الخدمات الأساسية للمواطنين من صحة وتعليم وتأمين اجتماعي مجاني، وبين الدولة التي تعتمد على الضرائب في توفير الخدمات وليس على الاقتصاد الريعي كما يحدث في دول الخليج، والتاريخ أمامنا، ويحكي لنا الكثير من التجارب التي اتجهت للاقتصاد الضريبي، والذي لا يكون إلا بمشاركة المستفيد ــــ المواطن ـــــ في إدارة موارده.