«ستاندارد تشارترد» ووقاحة الدفاع عن الأخطاء
ليس هناك أسوأ من ارتكاب الأخطاء سوى الدفاع عنها، وتبلغ الوقاحة قمتها حين يكون الدفاع بلهجة متنمرة ولا مبالية. ما صرح به تنفيذي كبير في ستاندارد تشارترد آسيا "مسؤول قطاع الأعمال في قارة آسيا" قبل أيام بأن "المصرفيين أصبح واجبا عليهم القيام بأعمال الشرطة وحين يخطئون فإنهم لا يعاملون كالشرطة المخطئين بل كمجرمين" نموذج على عناد المخطئ المصر على خطئه. ومثل هذه التصريحات الوضيعة ليست جديدة على مسؤولي ستاندارد تشارترد، فأثناء جمع أدلة التحقيقات بشأن قيام المصرف البريطاني بغسل ما يقارب 250 مليار دولار، قام مسؤولو المصرف التنفيذيون باستخدام لغة مشابهة مع سلطة المال في نيويورك، وذلك ما حدا برئيس سلطة المال وصف المصرف "بالمارق". المصرف قبل أكثر من عامين توصل لتسوية لوقف التحقيقات الأمريكية والإبقاء على رخصة عمله في نيويورك ودفع نحو 300 مليون دولار وأقر بإجراء إصلاحات هيكلية تمكنه من القيام بواجباته حيال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. والآن وبعد مضي عامين ما زال المصرف البريطاني على حاله وكأن شيئا لم يكن، وأصبح عرضة لغرامة مالية بـ 300 مليون دولار، وفي أسوأ الظروف سحب رخصته المصرفية من سلطة مال نيويورك.
وهذه النتيجة ليست مستغربة، فمنذ اتفاق التسوية لم يتغير أي تنفيذي كبير في المجموعة البريطانية المشبوهة، كما بقي مجلس إدارة البنك على حاله دون تغيير، عكس مصارف أخرى أدينت بمثل سلوك ستاندارد تشارترد. تنفيذيو المصرف ثبتت إدانتهم سابقا باستخدام لغة الوعيد والتهديد تجاه الموظفين الذين كانوا يحذرون إداراتهم من العمليات المالية التي تنتهك قوانين الأمم المتحدة تجاه الدول والمنظمات الإرهابية. وقبل عامين خرج مسؤول تنفيذي في فرع المصرف في نيويورك بتصريحات مفادها أن القوانين الدولية غير واضحة وأن ستاندارد تشارترد غير معني بها. أكثر من 500 ألف مصرف دولي في العالم فهم القوانين الدولية والتزم بها، وهذا المصرف المارق، على حد وصف بنجامين لوينسكي، يجد صعوبة في فهمها والالتزام بها. والنتيجة المستحقة، تعرض المصرف لخطر سحب رخصته من الولايات المتحدة، مما يعني انهيار تعاملاته الدولية كافة.
وهذا المصرف المتعجرف، وغيره من المصارف، نموذج على الخلل الذي ينتج عن تخلي المصرفي عن أخلاقه، وينصرف لجني الأرباح بمعزل عن القوانين والتشريعات الحاكمة للعمل المصرفي. والحقيقة أن العمل المصرفي عمل أخلاقي في صميمه، ومتى تخلى من يمتهن الصيرفة عن خلقه، فالنتيجة مأساوية على الكل، وهذا ما تثبته الوقائع التاريخية. والتعامل مع المصارف التي لا تلتزم بالقوانين الدولية بشأن مكافحة الإرهاب وغسل الأموال على أنها مصارف مجرمة، قمة العدل، ومطلب كل مصرفي شريف.
يأتي عدم التزام المصرف البريطاني ستاندارد تشارترد باتفاقية التسوية بوجوب إعادة هيكلة أنظمته بما يمنع عمليات غسل الأموال ومكافحة الإرهاب دليل على أن القائمين على المصرف غير جادين أبدا في تغيير سياستهم المصرفية التي أضرت بالأمن والسلم الدوليين. حتى لغة القائمين على المصرف ما زالت تغلب عليها العنجهية وتبرير الخطأ، وكأن العالم كله على خطأ، وهم وحدهم على صواب. إن تغريم المصرف البريطاني بمبلغ يهز ملاءته المالية، وسحب رخصة عمله من الولايات المتحدة أقل ما يمكن القيام به. ولعل الطريقة المثلى للتعامل مع القائمين على هذا المصرف، وغيرهم ممن ينتهج نهجهم نفسه، تقديمهم للمحاكمات، لينالوا جزاءهم نتاج تمويل الإرهاب وغسل أموال المجرمين. وعلى جميع دول العالم التي تتواجد فيها فروع هذا المصرف أن تنهج نهج الولايات المتحدة في التعامل مع هذا المصرف، ومن دون ذلك لا يمكن ردع سلوكه الذي سفكت بسببه دماء مئات الآلاف من الأبرياء.