مشروع الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم
في مقال سابق أشرت إلى أن قرار فتح سوق الأسهم للاستثمار الأجنبي المباشر، يعد بمثابة خطوة نوعية سترتقي بأداء سوق المال السعودي بشكل عام، وسوق الأسهم بشكل خاص، وستؤهله لأن يحتل المكانة العالمية المرموقة التي تليق به بين أسواق المال العالمية وخاصة الناشئة منها، ولا سيما أن هذه الخطوة ستساعد على عولمة سوق المال السعودي، وبالتحديد سوق الأسهم وتهيئ الفرصة لإدراجه ضمن مؤشرات الأسواق العالمية وخصوصاً مؤشر MSCI Global EquityIndexes، الذي يعد من بين أكثر المؤشرات العالمية اتساعاً وقبولاً لقياس أداء الأسواق المالية، التي من بينها أسواق الأسهم الناشئة، مثل سوق الأسهم السعودي.
وقد جاءت القواعد المنظمة لاستثمار المؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة في سوق الأسهم السعودي "الأسهم المدرجة في السوق"، والتي أصدرتها هيئة السوق المالية أخيراً، كمسودة مشروع ونشرت على موقعها الإلكتروني لاستطلاع آراء وملاحظات المعنيين والمهتمين، متممة ومكملة لتلك الخطوة والنقلة النوعية التي ستحدث في السوق، ولا سيما أن تلك القواعد قد استهدفت في المقام الأول، وضع الإجراءات وتحديد المتطلبات والشروط اللازمة والواجب توافرها لتسجيل المستثمرين الأجانب المؤهلين لدى الهيئة للاستثمار في الأسهم المدرجة، بما في ذلك تحديد التزامات الأشخاص المرخص لهم في ذلك الشأن، حيث تكفل دخول مستثمرين محترفين وجادين للاستثمار في السوق، وليس بهدف الدخول لغرض المضاربة وإحداث فقاعات في السوق، ستتسبب آجلا أم عاجلاً في إرباك السوق والمستثمرين الحاليين في السوق على حد سواء، إضافة إلى ضياع أموالهم ومدخراتهم المستثمرة في السوق. من هذا المنطلق ولضمان عدم دخول ما يعرف بالأموال الساخنة للسوق Hot Money، صيغت تلك القواعد بعناية فائقة بالشكل الذي يحقق الأهداف المنشودة من وراء فتح سوق الأسهم للاستثمار الأجنبي، ويكفل في الوقت نفسه عدم الإخلال بأحكام نظام هيئة السوق المالية ولوائحها التنفيذية المختلفة، وبالذات تلك المتعلقة بالأحكام الواردة في سلوكيات السوق، وقواعد مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ومن بين أبرز القواعد التي تضمنتها مسودة مشروع القواعد المنظمة لاستثمار المؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة في الأسهم المدرجة في سوق الأسهم السعودي، تحديد المؤسسات المالية المؤهلة للاستثمار في السوق، والتي اقتصرت على مؤسسات مالية ذات شخصية اعتبارية من فئات محددة، وهي المصارف، وشركات الوساطة والأوراق المالية، ومديرو الصناديق، وشركات التأمين. كما اشترطت القواعد أن تكون تلك المؤسسات المالية مرخصاً لها من قبل هيئة تنظيمية أو خاضعة لإشرافها ورقابتها في دولة تطبق معايير تنظيمية ورقابية مماثلة للمعايير التي تطبقها هيئة السوق المالية السعودية أو مقبولة لديها.
وقد حددت القواعد قيمة الأصول التي يتعين على المؤسسة المالية الأجنبية التي تنوي الاستثمار في سوق الأسهم السعودي بمبلغ 18,750 مليون ريال أو أكثر "أو ما يعادلها" ومنحت الحق لهيئة سوق المال بخفض الحد الأدنى لتلك الأصول إلى 11,250 مليون ريال "أو ما يعادلها"، وذلك بهدف ضمان أن المؤسسات المالية الأجنبية المستثمرة في سوق الأسهم السعودي على مستوى ودرجة في الإمكانيات والخبرات والمؤهلات الاستثمارية، التي تمكّن من إحداث إضافة نوعية Quality Added Value إلى التعاملات التي تتم في السوق، ولا سيما أن القواعد قد اشترطت أن تكون المؤسسة المالية الأجنبية مرتبطاً أساساً عملها ونشاطاتها بمجال ممارسة الأوراق المالية والاستثمار فيها بمدة زمنية لا تقل عن خمس سنوات. وهذه الاشتراطات تؤكد أن فتح سوق الأسهم للاستثمار الأجنبي هو ليس بغرض استقطاب وجذب الأموال بأكثر مما هو إضافة خبرات نوعية وعالمية إلى أسلوب التعامل والتداول في السوق.
وبغرض تحييد سيطرة الاستثمار الأجنبي "الذي هو حق مشروع ومكتسب قانونياً لأي سوق مالي" على مقدرات سوق الأسهم السعودي ووضعه في الحد المناسب والمقبول استثماريا، فقد أخضعت القواعد استثمارات المستثمرين الأجانب لعدد من القيود الاستثمارية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، عدم السماح للمستثمر الأجنبي المؤهل إضافة إلى تابعيه أو العميل الموافق عليه إضافة إلى تابعيه تملك أكثر من 5 في المائة من أسهم أي مصدر تكون أسهمه مدرجة في السوق. كما يجب على المستثمر الأجنبي المؤهل الذي يستثمر أموالاً تعود لعميل موافق عليه عدم تنفيذ أي عملية قد ينتج عنها تملك ذلك العميل إضافة إلى تابعيه أكثر من 5 في المائة من أسهم أي مصدر تكون مدرجة في السوق، ولا يجوز للمستثمرين الأجانب مجتمعين "بجميع فئاتهم المقيمين منهم أو غير المقيمين" تملك أكثر من 49 في المائة من الأسهم الصادرة عن أي مصدر تكون أسهمه مدرجة في السوق، وتشمل هذه النسبة أي استثمارات عن طريق اتفاقيات المبادلة. كما لا يجوز للمستثمرين الأجانب المؤهلين وعملائهم الموافق عليهم مجتمعين تملك أكثر من 20 في المائة من الأسهم الصادرة عن أي مصدر تكون أسهمه مدرجة في السوق. أخيرا وليس آخراً لا يجوز للمستثمرين الأجانب المؤهلين وعملائهم الموافق عليهم مجتمعين تملك أكثر من 10 في المائة من القيمة السوقية للأسهم الصادرة عن جميع المصدرين المدرجة أسهمهم في السوق، وتشمل هذه النسبة أي استثمارات عن طريق اتفاقيات المبادلة.
وقد أبدى عدد من المحللين الماليين وأصحاب الشأن تفاؤلهم بالقواعد التنظيمية التي أعلنتها هيئة السوق المالية السعودية، باعتبارها ستسهم في تعزيز جودة وفعالية السوق، ولا سيما في سوق مثل سوق الأسهم السعودي الذي يعد أكبر الأسواق العربية بقيمة تقدر بنحو 580 مليار دولار، وإن كان البعض يتطلع لفتح السوق المالية بأكملها للاستثمار الأجنبي وفقاً لتلك القواعد وخاصة الصناديق الاستثمارية.