هل النفط والتحفظ يعوقان النمو؟

منذ بدء تدفق النفط في المملكة في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، وحصة النفط في المساهمة في الناتج القومي تزداد على حساب المصادر الأخرى، فبعد أن كانت الزراعة والتجارة تمثلان الأنشطة الأساسية للاقتصاد، تراجع دور كل منهما لحساب النفط، فتدفق النفط سبب وفرة المال، الذي جعل اقتصاد المملكة اقتصادا نفطيا ريعيا بحتا، حتى أن بعض الاقتصاديين ذهب إلى أن اعتماد المملكة على النفط لا يجعل اقتصادها اقتصادا ريعيا، بل يجعله اقتصادا ناضبا، لأن النفط ليس مصدرا متجددا كالزراعة مثلا، بل مصدر سينتهي بعد 80 أو 100 عام، والمهم هنا ليس المدة، بل المهم أنه ناضب. ومنذ الأربعينيات إلى عام 2014، حافظ النفط على حصة الأسد بواقع 45 في المائة من إجمالي الناتج القومي عام 2012، كما مثل أكثر من 80 في المائة من الدخل الحكومي، بينما بلغت مساهمة الأنشطة الصناعية والإنشائية والتجارية 22 في المائة من إجمالي الدخل القومي بحسب مصلحة الإحصاءات العامة.
أضف إلى ذلك أن الإنفاق الحكومي في المملكة هو المحرك الأكبر للاقتصاد، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد، ولأن أكبر قطاع حكومي هو قطاع النفط، فإن الكثير من القطاعات السوقية الأخرى كالمقاولات والخدمات والصناعات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنفط من جهة، وتتأثر بأسعار النفط بشكل مباشر، لأن ارتفاع أسعار النفط يشجع الدولة على توسيع الإنفاق وتوسيع الإنتاج، إما للاستفادة من ارتفاع الأسعار، وإما للمساهمة في بقاء أسعار النفط بمستوى سعري معقول، المهم في الأمر أن معظم قطاعات السوق المهمة مرتبطة بالقطاع النفطي الناضب، الذي تعتمد عليه الدولة في تمويل إنفاقها بنسبة أكثر من 80 في المائة. وهذه تعتبر مشكلة.
المشكلة ترتكز على حقيقة أن الدولة أو القطاع الحكومي هو المالك - والمتحكم بطبيعة الحال - بالقطاعات المهمة الأخرى، فمؤسسات تمتلك معظم المصارف، ومعظم الشركات الكبرى في قطاعي البتروكيماويات والأسمنت، والطاقة والخدمات العامة، وبقدر ما يمثل هذا القدر من تملك الدولة لمعظم هذه القطاعات مؤشر أمان كما يرى البعض، فإنه يمثل مؤشرا قد لا يقل خطورة عن اعتماد الدولة على النفط، فإن تحكم الدولة في السوق، مع بقاء الإنفاق الحكومي هو الصانع الحقيقي للسوق - وكأنهما طرفا كماشة - يفرغ السوق من ديناميكيتها التي من المفترض أنها تمثل القيمة العادلة للسلع والخدمات. فالداخل للسوق لا يستطيع أن يدخل في القطاعات المهمة إلا تحت ظل المؤسسات الحكومية، وهذا ما يكبل السوق من أن تكون سوقا حرة، تنعكس فيها الأسعار بشكل حقيقي لا بشكل مصنوع من الزوايا كافة. إذاً نحن نعيش تحت وطأة النفط والإنفاق الحكومي، ونحن هنا لا نقول إن ما يجب عمله هو تقليص الإنفاق الحكومي، بل نقول بضرورة تقليص دور الإنفاق الحكومي الذي يدور في دائرة مغلقة فمن ريع النفط، للمشاريع، ثم للمصارف التي تمتلك الدولة بها حصة الأسد. إن خلق قطاعات سوقية جديدة، تستفيد من الحالة القائمة من تمسك الدولة بالقطاعات المهمة في السوق والإنفاق الحكومي الكبير، مع تحررها من ملكية الدولة كفيل بخلق سوق مستقبلية متوازنة بين ملكية الدولة للسوق وملكية المستثمر، وتنويع مصادر الدخل القومي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي