سعودة وضرائب

من الأمور الغريبة في اقتصادنا السعودي ذلك الدور غير الواضح الذي تلعبه وزارة العمل، فتزامن الأزمات وارتفاع الأسعار في الأسواق هو نتيجة منطقية لتخبط وزارة العمل يمنة ويسرة بين قانون سعودة غريب وتضييق على قطاعات سوقية مهمة واستراتيجية لأي اقتصاد. ودعونا نوضح الأمر عبر عدة أسئلة أعتقد أنه من الضروري الإجابة عنها لتكون الصورة واضحة لأطراف المعادلة جميعا، فمن ناحية يقف طالب العمل، ومن ناحية أخرى، يقف صاحب العمل، وبين هذا وذاك يقف المستهلك في حيرة من أمره، فهو يواجه أسعارا مرتفعة، ونسبة بطالة مرتفعة، ولنبدأ الحكاية من البداية.
في السوق لا تترجم النيات بل تترجم الأفعال، ونحن لا نشكك هنا من قريب أو من بعيد في نية وزارة العمل أو مسؤوليها في إصلاح سوق العمل والموازنة بين محدداته كافة، إلا أن هذه النية لا تكفي، ولن تترجم على أرض الواقع، والسوق لا يكذب، بل هو أفضل مؤشر ينبئ أي مراقب بنتيجة وانعكاسات التشريعات والقوانين الإيجابية والسلبية. توجهت وزارة العمل منذ جلوس المرحوم القصيبي على كرسي الوزارة إلى تولي الوزير فقيه الوزارة نفسها لتطبيق برنامج لسعودة القطاع الخاص والسيطرة على تجارة التأشيرات التي استشرت على مدى عشرات السنين، إلا أن الوزارة وضعت جميع المنشآت تحت قانون واحد، بغض النظر عن الحجم والقطاع، إلى أن وصلنا إلى مرحلة مرعبة خصوصا في قطاع المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر، فنسب السعودة تحدد بحسب القطاع وعدد العمالة، وليس على حجم المنشأة من خلال مبيعاتها السنوية، فالحلاق كمقاول الصيانة يطالب بأن يوظف مواطنا سعوديا، ومن الطبيعي أن يلجأ صاحب محل الحلاقة أو مقاول الصيانة الصغير لتوظيف أحد أقاربه بشكل صوري ليستطيع استخراج تأشيرة أو اثنتين ليبدأ نشاطه ويسد باب السعودة، هنا ستحتسب وزارة العمل أن توظيف هذا السعودي إنجاز يضاف إليها، لأن الوزارة وبكل أسف تركز على الكم وليس على الكيف، بالمقابل، تفرض الوزارة ضريبة السعودة (2500 ريال) على جميع رخص العمل للموظفين الأجانب، حتى وإن حقق صاحب العمل نسبة السعودة المطلوبة منه! أويستطيع أي صاحب عمل أن يتجاوز هذه الضريبة بوصوله لسعودة بنسبة 50 في المائة، التي تكون شبه مستحيلة على قطاع المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر.
إن المنطق يرفض أن يحدد حجم المنشأة بعدد موظفيها، وأن تجتمع الضريبة والسعودة في وقت واحد. إن حجم المنشآت يحدد بحجم مبيعاتها السنوية، فهناك منشآت تبيع بأكثر من عشرة ملايين ريال سنويا وهي لا توظف إلا أقل من تسعة موظفين، وهناك منشآت لا تتجاوز مبيعاتها السنوية 500 ألف ريال وتوظف تسعة موظفين أو أقل، وهذه مفارقة غريبة، فكيف تجتمع المنشأتان في تصنيف واحد؟ ولو أشحنا بتفكيرنا عن هذه المفارقة، سيقابلنا السؤال الأهم، لماذا يدفع صاحب المنشأة 2500 ريال عن كل عامل أجنبي لديه، بالرغم من أنه قد حقق نسبة السعودة المطلوبة منه، وعلى الرغم من أن نشاطه حلاق؟ أعتقد أن اجتماع ضريبة توظيف الأجانب مع تحقيق نسبة التوطين المطلوبة أمر ظالم وغير منطقي، ولن يساهم هذا التضارب بين التوطين والضريبة إلا بارتفاع الأسعار، ليكون المستهلك هو الخاسر الوحيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي