5 أسباب تفسر ولع السعوديين بالإجازات

المعروف عن الصورة النمطية عن اليابانيين أنهم شعب مدمن للعمل، ويصل الحال في اليابان إلى أن يرغم المديرون موظفيهم على الحصول على إجازة بالقوة: اترك العمل، وتمتع بالإجازة!
لكن السعوديين فيما بينهم يتندرون على حبهم للإجازات (وهنا نقصد الإجازات والعطلات الرسمية على حد سواء)، وهذا التندر يعكس واقعا نعيشه، فالسعوديون إذا عملوا أو درسوا لا يتوقف تفكيرهم عن الإجازة، وإذا تمتعوا بالإجازة، تناقلوا شائعات "التمديد"!
من وجهة نظري، هناك خمسة أسباب تفسر ولع السعوديين بالإجازات، وتجبرهم على الهروب من واقع العمل أو الدراسة، نذكرها على النحو التالي:

السبب الأول: قلة وسائل الترفيه في البلد
إن غياب وسائل الترفيه البريء، يحول كل مدينة من مدننا إلى ورشة عمل كبيرة، فتنحصر مشاوير الفرد بين البيت والعمل، وأدى هذا إلى شعور الفرد بملل قاتل من رتابة الحياة الخالية من الترفيه، أي في ظل غياب السينما والمسرح ومضامير الألعاب وعدم انتظام الفعاليات الثقافية والفنية، بل إن هناك فئة تحارب الترفيه البريء، وتحاول التنغيص على الفرد السعودي، بدعاوى مختلفة، وأبرز الأمثلة ما يحصل عندنا في المهرجانات ومعارض الكتب، وحصل في الصيف أثناء عرض مباريات كأس العالم في الحدائق العامة، وهذا الحال (قلة وسائل الترفيه مع معارضتها من قبل البعض) حفز السعوديين على اتباع سياسة للحل والترحال، يمكن تسميتها بسياسة "الانغلاق والانطلاق":
• الانغلاق (في الحل): هنا يتقوقع الفرد على ذاته طالما أنه داخل البلد، وينشغل بجهاز جواله، الذي يصله بالعالم، لكن يقطعه عمن حوله (متصل بالقاصي ومنقطع عن الداني)، وقد وصل الحال بالسعوديين إلى أنهم ينفقون 30 في المائة من رواتبهم على شركات الاتصالات – بحسب جمعية حماية المستهلك – وهذا بالطبع يذهب ما بين فواتير اتصالات وأجهزة جوال.
• الانطلاق (في الترحال): هذا يحدث عندما يتاح السفر للفرد السعودي، الأمر الذي جعل السعوديين من المتصدرين في العالم في الإنفاق على السياحة الخارجية، إذ تجاوزت مصروفات السياح السعوديين في الخارج - بحسب الهيئة العامة للسياحة والآثار - مبلغ 29.6 مليار ريال في صيف 2014، مقابل 22.3 مليار ريال في صيف 2013 بنسبة ارتفاع مقدارها 32.7 في المائة، وقد جاءت دبي والبحرين وقطر في مقدمة الوجهات جذبا للسياح السعوديين بنسبة 51 في المائة، ثم دول الشرق الأوسط بنسبة 29.6 في المائة، فدول جنوب آسيا بـ 9.2 في المائة، ثم أوروبا وأمريكا بنسبة 10.2 في المائة.
إذن، السعودي ربما يعيش حالة من الازدواجية، تجعله فردا منغلقا على ذاته في الداخل، لكنه فرد منطلق في الخارج (إلى درجة الجنون عند البعض)!

السبب الثاني: قلة دور الحضانة المتاحة أمام المرأة العاملة
تشعر المرأة العاملة (الأم) بقلق بالغ إذا تركت أطفالها دون السادسة في البيت وتحت رعاية الخادمة، وهذا القلق ازداد مع الجرائم التي ارتكبتها الخادمات وهزت أرجاء المجتمع السعودي، علما أنه لا تتوافر دور حضانة "حكومية" في السعودية، بينما الدور المتوفرة حاليا هي دور خاصة تقدم خدمات برسوم لا تستطيع أن تتحملها المرأة العاملة ذات الدخل المحدود. وينص نظام العمل (المادة 159) الذي صدر عام 2005، على إلزام كل صاحب عمل يشغل 50 عاملة فأكثر أن يهيئ مكانا مناسبا يتوافر فيه العدد الكافي من المربيات، لرعاية أطفال العاملات الذين تقل أعمارهم عن ست سنوات، وذلك إذا بلغ عدد الأطفال عشرة فأكثر. كما تنص المادة ذاتها، على أنه يجوز لوزير العمل أن يلزم صاحب العمل الذي يستخدم مائة عاملة فأكثر في مدينة واحدة أن ينشئ دارا للحضانة بنفسه أو بالمشاركة مع أصحاب عمل آخرين في المدينة نفسها، أو أن يتعاقد مع دار للحضانة قائمة لرعاية أطفال العاملات الذين تقل أعمارهم عن ست سنوات، وذلك أثناء فترات العمل، وفي هذه الحالة يحدد الوزير الشروط والأوضاع التي تنظم هذه الدار، كما يقرر نسبة التكاليف التي تفرض على العاملات المستفيدات من هذه الخدمة.
ولذلك، نحتاج إلى تفعيل المادة المعطلة (159) من نظام العمل قبل أن يكمل عامه العاشر، ونأمل من وزير العمل المهندس عادل فقيه إطلاق مبادرات جديدة في صورة دعم وتسهيل مشاريع دور حضانة – بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى- على أن تكون الدور بإدارة نسائية سعودية، وبرسوم معقولة متاحة للجميع.

السبب الثالث: عدم توافر وسائل النقل للمرأة العاملة
النقل يعد من أكبر التحديات التي تعرقل دخول المرأة السعودية إلى سوق العمل، وذلك للأسباب التالية:
• عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة.
• عدم توافر وسائل نقل عامة مناسبة ومريحة للمرأة.
• عدم استطاعة كل امرأة عاملة استقدام سائق خاص، إما لأسباب مادية أو إجرائية.
• تحكم سائقي المشاوير (المحليين) في المرأة، وإذلالها، بشروط "مزاجية" وأتعاب عالية،
ولذلك فإن المرأة السعودية تنفق – وفقا لبعض المصادر – نسبة تراوح بين 30 و 60 في المائة من دخلها في النقل، بدلا من إنفاقه على تحسين مستوى معيشتها.

السبب الرابع: عدم قناعة الأهالي بجودة التعليم
يظل الأهل هم الأكثر دراية من وزارة التربية والتعليم بـ "الخيارات التعليمية" التي يودون منحها لأبنائهم وبناتهم، فالأهالي يريدون تركيزا على الجوانب التطبيقية، لكن التعليم العام لا يزال يركز على الجوانب النظرية (حفظ وتلقين) التي لا تفيد الطالب لو انخرط في سوق العمل.
إن التعليم العام عندنا يفتقر إلى تدريس الطالب المهارات التي يحتاجها في مستقبله، مثل: مهارات حل المشكلات واتخاذ القرارات، مهارات إعداد التقارير وكتابتها، مهارات إدارة الوقت، مهارات إدارة المشاريع، مهارات التواصل الفاعل مع الآخرين، مهارات التفاوض، ومهارات العمل الجماعي.

السبب الخامس: عدم توافر وسائل السلامة في المدارس
نسبة كبيرة من الـ 33 ألف مدرسة المنتشرة في السعودية لا تتماشى مبانيها مع متطلبات ومعايير السلامة، مما سبب حوادث خلال السنوات الأخيرة الماضية، كان أشهرها حادثة حريق مدرسة "براعم الوطن" في جدة أواخر عام 2011.
مع ذلك، تؤكد وزارة التربية والتعليم أن حوادث المدارس شهدت خلال عام 2013، انخفاضا بمقدار 30 في المائة، مقارنة مع حجم الحوادث قبل فترة تأسيس "الإدارة العامة للسلامة المدرسية" التي بلغت مخصصاتها هذا العام نحو 800 مليون ريال.
إذن..
هل عرفتم لماذا نعشق الإجازات؟ ليس نقصا في قدراتنا، ولا ضعفا في عزيمتنا، إنما هي أسباب تراكمت مع الزمن، ولو استطاعت كل جهة حكومية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه تحسين الوضع الراهن، وتحل جزءا بسيطا من المشكلات التي نواجهها، لربما استطعنا منافسة اليابانيين في إدمان العمل!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي