تمكين الإدارة القانونية حماية للشركة
تحدثنا في المقال السابق عن أهمية تمكين الإدارة القانونية من القيام بمهامها في الجهات الحكومية. وفي هذا المقال سنخصص الحديث عن أهمية تمكين الإدارة القانونية من القيام بمهامها في الشركات عموما، والمساهمة خصوصا؛ نظرا إلى أهميتها في الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل للمواطنين.
تلعب الإدارة أو الوحدة القانونية دورا بارزا وفاعلا في تسيير أعمال الشركات، فتقوم بمهام متعددة من أهمها تقديم المشورة القانونية المناسبة لمختلف المستويات الإدارية في الشركة فيما يخص نظام العمل، أو يخص نظام الشركات، أو يخص نظام تأمين المشتريات الحكومية إذا كانت الشركة لها عقود مع الحكومة، أو غيرها من الأنظمة المتعلقة بغرض ونشاط الشركة، وكذلك إعداد العقود والاتفاقيات ومراجعتها، وتسجيل براءات الاختراع والعلامات التجارية، وجميع ما يتعلق بحماية الملكية الفكرية، وصياغة اللوائح الإدارية والمالية للشركة، والنظر في شكاوى الموظفين، وكذلك مهام التحقيق مع الموظفين في المخالفات الإدارية والمالية، والتوصية بالعقوبات التأديبية المناسبة، وإعداد وصياغة المذكرات القانونية، ومراجعة محاضر اجتماعات الإدارة العليا للشركة كمجلس الإدارة، والاستعانة بالإمداد الخارجي كمكتب محاماة أو استشارات، حسب الحاجة، والعمل على حماية الشركة من الوقوع تحت طائلة العقوبات والغرامات المالية، أو تقليل مقدارها على الشركة في حالة حصول مخالفة، وتمثيل الشركة أمام الجهات القضائية، إضافة إلى نشر وتنمية الوعي والثقافة القانونية داخل الشركة.
وفي الشركات المساهمة، تقوم الإدارة القانونية بمهام أخرى أكثر تخصصية إضافة إلى ما سبق ذكره، وذلك بحكم خضوع هذا النوع من الشركات لنظام السوق المالية ولوائحه، ومن بينها مساعدة الشركة قبل طرحها للاكتتاب العام عن طريق إعداد ملف كامل عن الشركة وتقديمه لمكتب المحاماة، أو تقديمه مباشرة لهيئة سوق المال، والاشتراك في اللجان المختصة كلجنة المكافآت والترشيحات ولجنة المراجعة وغيرها، والاستعانة والتعاون مع المستشارين الخارجيين للشركة كالمستشار المالي والمراجعين القانونيين والمحامين وغيرهم من الخبراء، والتعاون مع الجهات المختصة في حالة وجود مخالفات أو تلاعبات مالية أو إدارية داخل الشركة مع هيئة سوق المال، والتعاون مع مجلس الإدارة في حالة وجود مخالفة من الموظفين التنفيذيين أو أعضاء مجلس الإدارة عن طريق إجراء تحقيقات داخلية. والقيام أو المشاركة في اتخاذ الإجراءات القانونية التي تتطلبها أنظمة ولوائح السوق المالية، ويمكن لمن يرغب في مزيد من التفصيل في هذا الجانب الاطلاع على بحث مقارن متميز عن المستشار القانوني في الشركات المساهمة للمستشار سلطان العبد السلام.
ومع أهمية مهام الإدارة القانونية في الشركات بصفة عامة والشركات المساهمة بصفة خاصة، فإن هناك شركات تفتقر إلى وجود إدارة أو وحدة قانونية، وبعضها يكتفي بالتعاون مع محامٍ دون الاهتمام بالأمور القانونية الداخلية وتسندها لغير القانونيين، كما أن عددا منها يحتاج إلى أن تمكن الإدارة القانونية لديها من القيام بمهامها، وربطها مباشرة بمن يقف على هرم السلطة التنفيذية في الشركة لما يحققه ذلك من تمكين للإدارة القانونية ومنحها الاستقلالية والحيادية، وتوفير ما تحتاج إليه من الكوادر القانونية المؤهلة علميا وعمليا. ويمكن القول إن تفعيل دور الإدارة القانونية في الجانب الوقائي وخصوصا ما يتعلق بالعقود والموظفين لا يزال ضعيفاً إن لم يكن مغيباً في معظم الشركات، فعلى سبيل المثال فيما يخص الموظفين يمكن الإشارة إلى ما قامت به إحدى الشركات الكبرى من فسخ عقد لأحد موظفيها بدون سبب مشروع، وبعد لجوئه إلى هيئة تسوية الخلافات العمالية أصدرت قرارها ضد الشركة وتحملت مبالغ مالية طائلة، فضلا عن خسارتها للكفاءة البشرية الذي تعسفت بحقه، وكذلك التأثير السلبي على سمعتها، وعلى الرضا الوظيفي لموظفي الشركة، وأثره غير المباشر على تسرب الكفاءات الوطنية، ولو اهتمت هذه الشركة بتفعيل الدور القانوني لتلافت ذلك أثناء المراجعة القانونية للقرارات التأديبية للموظفين قبل صدورها. كما يمكن الإشارة فيما يخص العقود على سبيل المثال إلى تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الذي تداولته بعض وسائل الإعلام المحلية عن حادثة حريق لناقلة إحدى الشركات التي تساهم فيها الدولة، وما تضمنه من اعتبار عدم التدقيق من الناحية القانونية لعقود الشركة كان نتيجة طبيعية لعدم وجود إدارة تعنى بقانونية العقود الداخلية والخارجية، وقد تولد عن ذلك أضرار مادية وبشرية كبيرة.
ولعل من نافلة القول الإشارة إلى أن هناك شركات مساهمة اهتمت بالعمل القانوني، وتأتي في مقدمتها الشركة السعودية للكهرباء، فقد أدركت أهمية العمل القانوني، وأنشأت قطاعا للشؤون القانونية ترأسه إحدى الكفاءات الوطنية القانونية المتميزة بدرجة نائب رئيس أول، وربطته مباشرة بالرئيس التنفيذي للشركة، ومكّنته من القيام بدوره القانوني من خلال استقطاب كفاءات قانونية وشرعية مؤهلة، إضافة إلى منحه الاستقلالية والاعتماد عليه وما يقدمه من توصيات وآراء نظامية بكل مهنية واحترافية. ويؤمل من بقية الشركات أن تحذو حذوها وتمكن إداراتها القانونية، وتفُعل دورها لتحقق أهدافها التي أنشئت من أجلها على الوجه الأكمل، ومنها حفظ حقوق جميع الأطراف، وحتى لا ينشغل القضاء بكثرة الدعاوى التي من الممكن حل معظمها في مهدها، ومنع حدوثها إذا ما تم الاهتمام بالجانب القانوني الوقائي.