السبت, 3 مايو 2025 | 5 ذو القَعْدةِ 1446


«إيران» و«الإخوان» .. علاقة من الجذور

نستكمل ما بدأناه معا في هذه السلسلة، التي تسرد الحقائق والوقائع والأحداث كما هي، بموضوعية وحياد، ليقوم القارئ الكريم بمهمة الربط والتحليل والاستنتاج، وصولا إلى الإجابة عن السؤالين المهمين، "من أين أتت "داعش"؟ .. وماذا يجري في اليمن؟".
وكنا قد أثبتنا في الحلقات الأربع الماضية، وعبر استدعاء معلومات موثقة، أن "داعش" ليست سوى "القاعدة في بلاد الرافدين"،
التي تلقت كل الدعم من المخابرات السورية والإيرانية، وأنها مجرد فصيل انشق أخيرا عن "القاعدة" الأم– لأسباب سأورد بعض الحقائق عنها الأسبوع القادم- ويحمل ذات الأيديولوجيا التي تحملها "القاعدة"، التي لم تكن سوى إحدى الأذرع العسكرية لتنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي، الذي يحاول جاهدا ليخفي هذه التبعية، "تقية"، كعادته البراغماتية الأصيلة. لقد أوردنا الوقائع المثبتة التي تدلل، بلا ريب، على جميع ما ذكرنا، بما فيها تلقي الدعم الإيراني الممنهج للقاعدة، إلا أنه وفي ظل هذه الحقائق التي قد تكون مفاجأة للبعض، فإن هذا البعض يتساءل بمنطقية، "كيف لدولة شيعية متطرفة، أن تدعم تنظيما سنيا متطرفا، لا سيما أن كل منهما "يكفّر" الآخر؟!"، وللإجابة عن هذا التساؤل الموضوعي، تطرقنا سويا للعلاقة البنيوية المتجذرة بين رموز فكر "ولاية الفقيه" ورموز فكر "ولاية المرشد"، بل أثبتنا أن "البنا" نفسه، المؤسس للجماعة الإرهابية، ليس سوى تلميذ نجيب للماسوني الشيعي "جمال الدين الأفغاني"، بل أكثر من ذلك، فقد سردنا بعض الحقائق التي تؤكد دعم نظام الملالي في طهران لتنظيم الإخوان المسلمين وتغلغله داخل التنظيم، ودعم التنظيم الخبيث، لنظام الملالي ودولة الإرهاب في طهران، بلا مواربة، وهو ما يرتقي بتصنيف هذه العلاقة من "الاعتماد المتبادل" إلى "التكامل".
ويمكن للقارئ المنضم حديثا لهذه السلسلة، أن يعود للمقالات السابقة عبر الموقع الإلكتروني للصحيفة. وكنا قد توقفنا عند الحقيقة (13)، فنكمل كالتالي:
الحقيقة (14): "مجتبى مير لوحي"، واسمه الحركي الذي اشتهر به: "محمد نواب صفوي"، يعتبره نظام الملالي في طهران "الأب الروحي" له، فيما تورد المعارضة الإيرانية الأدلة تلو الأخرى على أن هذا الشاب الخجول والطموح والهاوي للتمثيل، ليس سوى عميل جندته بريطانيا الاستعمارية فترة عمله في شركة النفط الإنجلوإيرانية، وجدت فيه الصفات التي تحقق نجاحه في مهمته الجديدة في السيطرة على الشعوب الشيعية عموما، والإيرانية خصوصا، باسم "الدين" وباسم "الله"، في محاولة منها -أو من يقف وراءها في الظل ويستخدمها ويعمل باسمها- لتعزيز فكرة حكم "الولي الفقيه" المغروسة في الفقه الشيعي، التي لم يكن لها قبول واسع في حينه، تماما كما تورد الروايات تجنيد "سيد قطب" لتعزيز فكرة "ولاية المرشد" عند السنة، والمصادفة أن الاثنين أضحيا فيما بعد صديقين حميمين، التقيا في مصر ونسقا أعمالهما هناك، والتقطا سويا الصور التذكارية، كما التقى "صفوي" أيضا أعضاء تنظيم الإخوان في سورية، حيث اشتكى له القيادي الإخواني السوري "مصطفى السباعي" من التحاق شباب الشيعة بالأحزاب العلمانية والقومية، فقال "صفوي" مقولته الشهيرة، "من أراد أن يكون جعفريا حقيقيا فلينضم إلى الإخوان المسلمين" في مسعى منه لإبعاد هؤلاء الشباب الشيعة عن العلمانية، والارتباط بالإخوان وفكرهم، يقول "مهدي آراقي" لاعب كمال الأجسام من جنوب طهران وأحد الأعضاء الأوائل في تنظيم "صفوي" التأسيسي القديم «فدائيوالإسلام»، الذي لم يتجاوز عدد أعضائه، في ذلك الوقت، العشرات، معللا انفصاله عن نواب الصفوي، ومتهما إياه بالعمالة للبريطانيين، «لقد انفصلت عن الفدائيين؛ لأنهم كانوا يتصلون بالبريطانيين، ويتواصلون مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي أنشأها البريطانيون قبل عدة سنوات» إننا حين نضع هذه الوقائع نصب أعيننا، نسترجع أن فترة تجنيد "صفوي" و"قطب" هي ذاتها فترة تسليم البريطانيين فلسطين لليهود، واعترافهم بدولة "إسرائيل"، وأن هذه الأحداث تلت في تسلسلها "وعد بلفور" الذي سبقه استجلاب الماسوني الإيراني "جمال الدين الأفغاني" وزراعته في المنطقة.
الحقيقة (15): ذكر "يوسف ندا" في لقاء له مع قناة الجزيرة أن «الإخوان المسلمين شكّلوا وفدا التقى الخميني في باريس قبل عودته إلى إيران لتشجيعه ودعمه، وأن التنظيم كان على علاقة بأعضاء من مجموعات الخميني قبل الثورة الإيرانية، وكانت تتم بينهم لقاءات في أمريكا وأوروبا»!
وبعد رحيل الشاه فى يناير 1979، وعودة «الخميني» في فبراير من ذات العام، كانت الطائرة التي تقل وفد «الجماعة» هي الطائرة الثانية التي تهبط في طهران، بعد طائرة الخميني، حيث كان تأييد "الإخوان" لما يسمى"الثورة الإسلامية" في إيران تأييدا صارخا وفوريا، يقول القيادي الإخواني «عصام العريان» لصحيفة «الشرق الأوسط»، «إن جماعة الإخوان المسلمين أيدت الثورة الإسلامية في إيران منذ اندلاعها عام 1979 لأنها قامت ضد نظام حكم الشاه رضا بهلوي الذي كان منحازا للعدو الصهيونى»! "الصهيونية" و"التصهين"! ترى بمن يذكرنا هذا الخطاب الخبيث؟!
الحقيقة (16): أن كلا التنظيمين (الإخوان المسلمين) و(نظام الملالي في طهران) يستخدمان (التقية) ويرفعان شعارات دينية مماثلة ومخادعة كـ(الوحدة الإسلامية في مجابهة العدوان الإسرائيلي) و(الصهيونية العالمية) أو (الوحدة الإسلامية في سبيل مجابهة الإمبريالية الغربية)، وتحت هذا الغطاء دعم (الإخوان المسلمون) التمدد للثورة الخمينية في الدول العربية والإسلامية، وسوقوا لدعم (حزب الله)، وبطولاته الكاذبة، داخل البيئة (السنية)، كما أنشأوا في سبيل ذلك اتحادهم المزعوم (اتحاد علماء المسلمين) - ولهذا الاتحاد وحده أهداف خطيرة، أشبه ما تكون بـ "مسجد الضرار"، وسيتم التطرق لهذا الاتحاد لاحقا- لكن الواقع أن هذه الشعارات ليست سوى "حصان طروادة" للدخول في لعبة سياسية حالكة الدهاليز، للتغلغل داخل العالم الإسلامي في عمومه، لتمرير مشروعهم المشترك، وهو ما بدا واضحا عند إلقائنا لنظرة موضوعية محايدة لدستور نظام "ولاية الفقيه" في إيران، ذلك أن الثورة الإيرانية، التي تطلق على نفسها "إسلامية"، كانت قد حددت ملامحها منذ اللحظة الأولى لرحيل الشاه وقدوم «الخمينى» من منفاه "الغربي"، حيث قدمت دستورا طائفيا بجدارة، ما يتنافى مع كل مزاعم الوحدة الإسلامية تنافيا فجا، وقد اعترف «ندا» مسؤول العلاقات الدولية للإخوان بذلك، واصفا هذا الطابع الطائفي للدستور الإيراني بأنه مجرد "غلطة" أثرت في مسيرة الوحدة الإسلامية!
بل سعى "الإخوان" بشتى الطرق إلى التغطية على هذه الطائفية المقيتة لدى نظام الملالي، وتزيين وجهها القبيح، في محاولات بائسة واهية للتسويق له وتسويغه داخل المكون "السني"، مثالها ما قاله «محمود غزلان» عضو مكتب الإرشاد بالجماعة في مقال له بعنوان «مرة أخرى نحن والشيعة»، «أما موقفنا من إيران وما يصدر عنها فينبغى أن نفرِّق فيه بين أمرين، المواقف السياسية، والمذهب الشيعي، فالمواقف السياسية ينبغي أن نقيسها على قيم الحرية والحق والعدل، أما موقفنا من المذهب الشيعي فنحن نميل إلى عدم التعرض له بالقدح أو المدح»، بل إن «مهدي عاكف» المرشد العام السابق قال مدلسا بشكل فاضح في حوار له في "المصري اليوم" في 19 مارس 2009: «إيران دولة شيعية، والشيعة ليست مذهبا دينيا، بل سياسي، ومن ثم نتعامل معها على أنها دولة سياسية لا مذهبية»! ألتقيكم الأسبوع المقبل بمشيئة الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي