جيب الآيزو .. واعمل اللي انت عايزو
"غيروا كل شيء ما عدا زوجاتكم وأبناءكم"، مقولة شهيرة لرئيس شركة سامسونج "كون لي" في عام 1996 م، بعد إحراقه ما يساوي 50 مليون دولار من منتجات شركته أمام الموظفين، ذلك أنه لم يكن راضيا عن جودتها. استطاع موظفو "سامسونج" النهوض بعد هذه الأزمة، وتجويد منتجاتهم. ساعدهم على ذلك قدرتهم السريعة على التغيير، ومواكبة التغير في تطلعات المستهلكين.
يرى أبو الجودة "ديمنج" أن من أهم متطلبات الجودة البدء من "المستفيد"، والعمل على مطابقة الخدمة لرغباته. ويعرفها معهد الجودة الفيدرالي الأمريكي بأنها "القيام بالعمل الصحيح بشكل صحيح من أول مرة، والاعتماد على تقييم العميل في معرفة مدى تحسن الأداء". ويظهر "ميثاق المواطن" كأحد المفاهيم الحديثة في الخدمة العامة. ويركز على المواطن متلقي الخدمة، من خلال العمل على ضرورة استشارة المستفيدين من الخدمة، وتقديم الخدمة بدرجة عالية من الاحترافية.
جل ما تقدم أعلاه من تعريفات للجودة ركز على "المستفيد النهائي". لذلك، كان لزاما على المنظمات أن تهتم بقياس رضا جمهور المستفيدين من خلال استبيانات مصممة لهذا الغرض، لعل من أبرزها نموذج "السيرفكوال" SERVQUAL وهو اختصار لكلمتي Service Quality. إذ إنه ببساطة، لا يمكن تطوير ما لا يمكن قياسه.
ولكن.. ما واقع تجارب الجودة لدى الجهات الحكومية؟!
في الواقع إن الإجابة عن هذا التساؤل ذات شقين. أحدهما "جميل" وهو أن مفهوم "الجودة" من أكثر المفاهيم الإدارية انتشارا، والكل يطالب بها ويسعى إليها، وذلك حق مشروع. ولكن الشق "المظلم" يكمن عند من يتغنى بوجودها على الرغم من عدم وجودها!
ليس ذلك لغزا! فإذا شاهدنا بعض الوزارات والجهات الحكومية التي حصلت على شهادات في الجودة كالآيزو، نجد أنها في الأساس تفتقر إلى أبسط مفاهيم رضا المستفيد (المواطن).
ويمكن أن نعزو ذلك إلى لمنطلق الخاطئ الذي ذهبت من أجله تلك الجهات للحصول على شهادات الجودة. فبدلاً من سعيها نحو تحقيق المعيارية المثالية العالمية في أسلوب تقديمها الخدمة، من أجل تحقيق رضا المواطن، فقد حورت مسارها ليكون الحصول على شهادات الجودة من أجل "كسب الفلاشات البراقة"!
بالمناسبة فقد سبقنا الإخوة المصريون في إطلاق النكات حول ذلك ومنها مقولة "جيب الآيزو واعمل اللي انت عايزو"! مع أن المقولة التي يفترض للمنظمة أن تتبناها بعد "الآيزو" أن تعمل "اللي عايزو المواطن"!
ومع هذه الممارسات الخاطئة في التعامل مع الجودة، فليس الحل في أن توقف الجهود التي تسعى للعمل نحو التميز وتحقيق الجودة الحقيقية الفعالة. بل يكمن الحل في توحيد الجهود نحو "منهجية" موجهة تطور من أساليب العمل نحو الجودة باحترافية وتميز. ويتطلب ذلك وجود "خطة استراتيجية" شاملة وطويلة المدى تتم مراجعتها وتطويرها حسب المتغيرات والمستجدات. وتحتوي على العديد من المبادرات والبرامج.
ومن المبهج في هذا الصدد ما اطلعتُ عليه من تجربة الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، لإيجاد "برنامج شامل" لنشر ثقافة الجودة وتطبيقاتها في جميع مجالات الخدمات والمنتجات. إيماناً بأهمية الجودة في تطور الشعوب، وتحقيقا للرؤية السامية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن تكون "السعودية بمنتجاتها وخدماتها معياراً عالمياً للجودة والإتقان 2020". فوجود هذا المشروع الوطني لم يكن ترفا إداريا، ولا هو مجرد استحداث إجراءات وأنماط جديدة أكثر كفاءة من الإجراءات والأنماط الحالية، بل هو مطلب وطني بامتياز ومن الضروري أن تشحذ الجهات الحكومية طاقاتها من أجل إنجاحه.
فهذه الاستراتيجية الطموحة سيكون لها دور مميز في تهيئة البيئة المناسبة للتعامل مع المتغيرات بمرونة وكفاءة، من خلال توفير إطار شامل لمعايير الجودة، كنموذج وطني جدير بالتطبيق، من أجل تعزيز كفاءة الخدمات المقدمة. حيث ستعمل الحكومة ممثلة في منظماتها لتطوير أنماط تعاملها مع جمهور المستفيدين من خدماتها، سعيا وراء تحقيق "رضا المواطنين" من خلال النظر إليهم كـ "عملاء".
أخيرا وليس آخرا، هل ستنهض قطاعاتنا العامة منها والخاصة في المساندة والتكامل مع هذه الاستراتيجية الخلاقة؟ أم ستبقى "بطيئة" الاستجابة للتطوير، وتظل في دوامة العجز عن الاستجابة للتحديات؟