الأوقاف المهملة

تعد الأوقاف أحد أهم الموارد الاقتصادية التي تسهم في دعم مجالات العمل الخيري والتنموي بصورة عامة، وفي بلادنا تنتشر آلاف الأوقاف والأسبال المهملة والمعطلة التي عفّى عليها الزمن نتيجة إهمال القائمين عليها من النظار الذين توفاهم الله تعالى ولم تجد بعدهم عناية ولا متابعة من عقبهم لكون هذه الأسبال ليست ذات مردود مالي يشجع ويحفز على التصدر للعناية بها وإعادة تأهيلها. فلا تكاد تخلو مدينة ولا محافظة ولا قرية من مثل هذه الأوقاف والأسبال المهملة المتناثرة بين جنباتها ومزارعها وأحيائها القديمة على وجه الخصوص، وقد أسهم في ازدياد مثل تلكم الأوقاف عدم وجود جهة تتولى متابعتها وإصلاحها، وقد ترتب على هذا الإهمال حرمان من أوقفوها من الانتفاع من خيرها وبركة نفعها. وتتحمل المحاكم الشرعية (صاحبة الولاية العامة على الأوقاف)، ووزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، مسؤولية هدر وضياع هذه الأوقاف المعطلة، فالمستقرئ للتاريخ الإسلامي يقف على مدى حرص الولاة على تخصيص دواوين لحفظ الأوقاف وصيانتها ومتابعة نظارها، فقد وجدت مثل هذه الدواوين المستقلة في العهد الأموي، فكان القاضي توبة بن نمر بن حوقل الحضرمي أول قاض في زمن هشام بن عبدالملك يتولى إدارة الأوقاف والإشراف عليها، وكان القاضي أبو الظاهر عبدالملك بن محمد الحزمي يتفقد الأوقاف ثلاثة اأيام كل شهر فإذا رأى خللاً في شيء ضرب المتولي عليها عشر جلدات عقاباً له على الإهمال فيها، وفي العصر العباسي وجد ديوان للأحباس وكان لإدارة الوقف رئيس يسمى "صدر الوقف" أنيط به الإشراف على إدارتها، وكان على الناظر الذي يكلفه القاضي بالإشراف على أموال الأوقاف وإدارتها والصرف عليها أن يقدم حسابه في نهاية كل عام، وفي العصر العثماني استحدثت وظيفة (الناظر الحسبي) الذي كان من ضمن وظائفه تفتيش أموال الوقف للتأكد من حسن استيفاء مواردها، وصرف إيراداتها في الأوجه الشرعية المنصوص عليها في وصية الواقف. ولعل من المناسب كحل للوضع القائم الذي يتسبب في هدر اقتصادي للأوقاف يقدر بالمليارات، أن يسند أمر إدارة "الأوقاف المهملة" لأحد المكاتب الاستشارية المتخصصة في شأن الأوقاف، وأن يرخص لها في الإعلان عن "حاضنة استثمارية للأوقاف المهملة" ويمكنوا من الإعلان عن استقبال الأوقاف المهملة من المواطنين الذين تحت أيديهم وثائق لمثل هذه الأوقاف المعطلة، أو من يعرفون مواقع لأوقاف لم يتم تحريرها ليتم استخراج صكوك عليها ومنحهم تسهيلات أمام الجهات القضائية والإدارية كافة، يتم بموجبها توثيق مثل تلكم الأوقاف المهملة والتصرف ببيعها وإعادة تأهيلها واستثمارها وتنمية الصالح منها وتنفيذ شروط الواقفين والموصين تحت نظر الحاكم الشرعي، فإن هذا العمل الجليل ــ إن تم ــ يعد نقلة في مجال استنقاذ الأوقاف المهملة التي سينتفع الواقفون من خير وبركة استصلاحها وإعادة تأهيلها والتصرف فيها بما يحقق الغبطة للواقفين، ويؤمل أن يسهم هذا المشروع الوطني في القيام بالواجب الشرعي تجاه هذه الأوقاف التي يستوجب وضعها الحالي الالتفات لها لانعدام المتابعة والرقابة من قبل جهة الاختصاص لأعمال نظار الأوقاف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي