هل نحن بلد صناعي؟
منذ إنشاء صندوق التنمية الصناعي في أواسط السبعينيات من القرن الماضي وهو يقوم بدور محوري في دفع عجلة التنمية الصناعية في المملكة، وقد ضخ الصندوق مليارات الريالات على هيئة قروض وتسهيلات لأصحاب المصانع، وقد تناغم دور الصندوق مع دور وزارة التجارة والصناعة و"هيئة مدن" لتكون الحاضنة الرئيسة للصناعة في بلدنا. هذا الدور الفاعل تم بإرادة حكومية عبر توظيف الكوادر ذات الكفاءة المناسبة التي تفهم الدورة المالية والاقتصادية للقطاع الصناعي، ولكم الأهم من هذا هو أن هذه الكوادر تفهم تماما ما مقومات بنيتنا الاقتصادية فلم تبالغ أو تتطرف في تمويل المشاريع الصناعية، ووضعت نصب عينيها قدرة البلد من ناحية الأيدي العاملة وقدرة البلد على استيعاب التكنولوجيا.
معظم حاضنات الأعمال في المملكة تفضل تمويل المشاريع الصناعية والمشاريع ذات الطابع التكنولوجي، لأن هذه المشاريع – من وجهة نظر الحاضنات – هي التي ستعود على البلد بقيمة اقتصادية مضافة، وأعتقد أنها محقة في توجهها، إلا أن هذا التوجه يلزمه محدد أو رؤية تحتويه، مثلما فعل صندوق التنمية الصناعي عندما تفهم قدرات البلد من الناحية اللوجستية والفنية فقام بدعم المشاريع القادرة على البقاء والاستمرار وها نحن نرى اليوم نتائج هذا الجهد الجبار للصندوق. حاضنات الأعمال أو الصناديق الخاصة لدعم المشاريع الناشئة يجب عليها الاعتماد على هذه الخبرة الكبيرة التي اكتسبها الصندوق ومشاورة الصندوق في توجهاتها وسياساتها لأنها بذلك ستبدأ من حيث بدأ الصندوق وليس من الصفر.
المهم أن تفرق حاضنات الأعمال بين قدرتها التمويلية وقدرة الصندوق، لأن القدرة التمويلية للصندوق تمكنه من تمويل مشاريع صناعية نوعية مهما كان حجم المشروع، لأنها ببساطة تمتلك المال والمعرفة لتقييم المشاريع، أما حاضنات الأعمال، فإنها ذات قدرات مالية ومعرفية أقل، فلا تستطيع محاكاة الصندوق في الكم والنوع، ولكنها تستطيع الاستفادة من خبرة الصندوق في معرفة أي المشاريع التي تستحق الدعم وماذا تحتاج هذه المشاريع لتنجح وتنافس من ناحية الحجم الاستثماري والدورة النقدية. وجود حاضنات أعمال أفضل من عدم وجودها، إلا أن للحاضنات دورا خطيرا جدا في التنمية، ويمكن أن ينقلب هذا الدور رأسا على عقب إذا لم يُدر بطريقة صحيحة. الحذر الذي يجب على حاضنات الأعمال تجنبه هو محاكاة برامج المصارف التمويلية، التي تهدف إلى شيء واحد وهو تنمية واستثمار السيولة النقدية لديها وهو هدف مشروع ولا غبار عليه، إلا أن هدف حاضنات الأعمال هدف مختلف، وهو إيجاد جيل جديد من الشركات التي يمكن أن تصبح كبيرة يوما من الأيام، وهذا الاختلاف في الهدف يقود المؤسسة المالية لطريق مختلف عن حاضنات الأعمال.
صندوق التنمية يراعي في شروطه التمويلية الظروف التي تصاحب المشاريع الصناعية، فتمتد فترة السداد لـ 15 سنة، دون فوائد تذكر، ويقوم فريق متخصص بمتابعة المشروع الصناعي من كثب في بداياته حتى يتأكد من سلامة موقفه المالي والسوقي
وللإجابة عن السؤال المطروح في العنوان نقول نعم نحن بلد صناعي، ولكننا لسنا بلدا كأمريكا أو ألمانيا نستطيع صنع كل شيء، فبلدنا ما زال ناميا، والصناعات التي من الممكن توطينها هي الصناعات التحويلية، كما فعلت الصين تماما، ركزت على الصناعات البسيطة ثم تجاوزتها للصناعات الثقيلة والتكنولوجية.