رجل أعمال «سعودي» يتبرع لـ «دائرته» الصغيرة

من الجميل أن يفعل الإنسان الخير، والأجمل أن يفعل الخير لأهله وذويه، لـ "الدائرة الأقرب" لنفسه.
الصحف تطالعنا بين فترة وأخرى بأخبار عن تبرع رجل أعمال سعودي (حصل على الجنسية أثناء مزاولته التجارة أو المقاولات في بلد الخير والعطاء هذا) لإنشاء مشروع اجتماعي أو خيري في الأرض التي ولد عليها رجل الأعمال هذا، لا في الأرض التي رزق فيها.
من منطلق وطني نتساءل عن مسؤولية رجال الأعمال الحاصلين على الجنسية السعودية: ماذا تعني "المسؤولية الوطنية" حين تكون للخارج وليس للداخل؟! بعبارة أخرى، ما القيمة المضافة التي يقدمها رجل الأعمال المتجنس؟ ما "المسؤولية الاجتماعية" للشركات التي يملكها؟ نتحدث عن نسب "السعودة" الكمية والكيفية، وفرص التدريب والتوظيف التي خلقتها شركاته للسعوديين، والمبادرات الخيرية والاجتماعية داخل البلد.. أين مبادراتهم والبعض منهم لم يتبرع حتى ببرادة ماء في مسجد (داخل السعودية طبعا)؟!
نريد أن نرى مبادرات يستفيد منها الوطن وأبناؤه مثل برامج "باب رزق جميل"، وبرامج "البنك الأهلي" الذي أسسه الراحل سالم بن محفوظ، وهي كلها برامج رائدة تركز على تدريب وتوظيف الشباب والفتيات السعوديين ودعم مشاريعهم الصغيرة وبناء المجتمع المحلي.
الغريب أننا نجد أن نظام الاستثمار الأجنبي يشترط على المستثمر الأجنبي - وهو الشخص الطبيعي الذي لا يتمتع بالجنسية العربية السعودية أو الشخص الاعتباري الذي لا يتمتع جميع الشركاء فيه بالجنسية العربية السعودية - أن يمتلك حدا معينا من رأس المال للحصول على ترخيص الاستثمار داخل البلد، لكن هذا الشرط الاقتصادي غير متوافر في نظام الجنسية السعودية أو لائحته التنفيذية إذا كان المتقدم بطلب الجنسية رجل أعمال. فأيهما أكثر أهمية (حساسية) على المدى البعيد نظام الجنسية أم نظام الاستثمار الأجنبي؟
إن نظام "الجنسية العربية السعودية" وهو نظام قديم، صدر عام 1954م، يقنن حالات منح الجنسية السعودية واكتسابها وإسقاطها وسحبها وغير ذلك. ومع أنه خضع لتعديلات كثيرة كان أبرزها في عام 2004م حين تم تعديل ثماني مواد رئيسة، منها المادة (9) التي توضح أحكام منح الجنسية السعودية للأجنبي، إلا أن النظام نفسه لا ينص على أي التزامات تترتب على الأجنبي عند حصوله على الجنسية السعودية، خاصة إذا كان من رجال الأعمال ويفترض أن يضيف قيمة للبلد الذي أكرمه بالجنسية وفتح له أرضه وسوقه ليكتسب الرزق وينمي ثروته.
بعض الدول تضيف مع شرط الإقامة المتواصلة أو المؤهل العلمي شروطا تخص رجال الأعمال كأن يمتلكوا رأسمالا معينا يشغل داخل البلد وليس خارجه. لماذا لا نشترط على رجل الأعمال المتقدم للحصول على الجنسية السعودية شروطا ذات طابع اقتصادي؟ لماذا لا تفرض عليه التزامات بعد حصوله على الجنسية، إذا لم يف بها تسحب منه الجنسية؟ التزامات كالحفاظ على مقدار معين من رؤوس أمواله داخل البلد وتشغيله للسعوديين بنسبة تحدد بالتنسيق مع وزارة العمل، وإنشاء برامج تعنى بالمسؤولية الاجتماعية.
لقد حددت اللائحة التنفيذية لنظام الجنسية الفئات التي ينتمي إليها المتقدم بطلب الجنسية، مشترطة أن يكون من أصحاب المهن التي تحتاج إليها البلاد، وهم - وفقا للمادة (11) -: العلماء والأطباء والمهندسون وأصحاب التخصصات النادرة، ولم تشر لفئة رجال الأعمال أو المستثمرين.
ورغم أن اللائحة خضعت لتعديلات عديدة، كان آخرها حين جرى تعديل المادة (7) التي تتناول المولودين في السعودية لأب أجنبي وأم سعودية، وتعديل الفقرة (6) من المادة (21) من اللائحة حول منح الجنسية السعودية للمرأة الأجنبية المتزوجة من سعودي، إلا أن اللائحة ذاتها لا تربط بين التجنيس والجوانب الاقتصادية.
فلا توجد إشارة قانونية تتعلق بالتجنيس والدخل أو الثروة إلا في المادة (12) من اللائحة التنفيذية، حيث يشترط على المتقدم أن يرفق مع طلب التجنيس بيانا عن ثروته داخل السعودية وخارجها ومصادر رزقه، وشهادة مصدقة من الجهة التي يعمل فيها تحدد طبيعة عمله ومقدار دخله الشهري، وهذا آخر علمنا بالتجنس والثروة!
ولأن وزارة الداخلية ممثلة في وكالة الوزارة للأحوال المدنية - التي شهدت تطورا هائلا - معنية بتطبيق نظام الجنسية ولائحته التنفيذية والتعامل مع طلبات التجنيس، فقد حاولت البحث عن إحصائيات رسمية في موقع الوكالة على الإنترنت عن عدد الأجانب الحاصلين على الجنسية السعودية أو أي توزيع لهم على أساس المعرفة أو المال إلا أنني لم أعثر على المطلوب.
لكن بصرف النظر عن أي الفريقين أكثر عددا من الآخر على أرض الواقع، فإن ما يهمني كمواطن سعودي - شهد أسلافه التحول الجذري لهذا الوطن من فقر مدقع إلى خير وافر - أن يقدم المتجنسون القيمة المنشودة منهم إلى الوطن الذي منحهم الجواز الأخضر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي