الوزراء الجدد بعد 90 يوما
منذ أن تم تعيين الوزراء الجدد، والسعوديون لم يتوقفوا عن الحديث، وباتوا يعدون العدة، ويجهزون قوائم المطالب لمناقشتها في مجالسهم، ووسائل التواصل الاجتماعي، ذلك أنهم يريدون أن يلمسوا تغييرات حقيقية في وزارات تدخل في نسيج حياتهم كالصحة والتعليم العالي والشؤون الاجتماعية والنقل.
وسيمهل السعوديون الوزراء الجدد فترة تجربة (افتراضية) تمتد إلى ثلاثة أشهر من تاريخ تعيينهم، بعدها سنسمع الأصوات تتعالى: عن ماذا أعلن هذا الوزير؟ وماذا سيقدم ذاك؟
لذا، فمن المتوقع بعد 90 يوما من تقلد الوزراء مناصبهم الجديدة، أن تتضح رؤية كل منهم، وبالتالي تنعكس هذه الرؤية على أسلوبهم في العمل الذي سيكون واحدا من هذه الأساليب:
الأسلوب (1): هدم الجدار وإعادة بنائه
الوزير الجديد سيقوم بإلغاء كل الاستراتيجيات والخطط التي أعدت في عهد الوزير السلف، وهي الاستراتيجيات والخطط التي كلفت الحكومة وقتا وأموالا طائلة سواء عند وضعها أو تنفيذها، واستنفدت جهود العاملين في الوزارة.
وقد يسعى الوزير ــــ دون إجراء دراسة أو تقييم شامل ــــ إلى إلغاء كل السياسات والإجراءات والخطط والبرامج الذي وضعت في العهد السابق، يتساوى في الإلغاء الجيد منها وغير الجيد، وهنا يتم نسف لأهم مبادئ العمل المؤسسي، وهو تراكم التجارب، ويتم طمس هوية الوزارة التي تشكلت في العهد السابق، وإعادة بناء صورة ذهنية جديدة عند الناس ترتبط بالوزير الجديد حتى لو لم تقترن بأي إنجازات حقيقية، واقتصرت فقط على تغيير شعار الوزارة ومطبوعاتها!
وربما يعمد الوزير هنا إلى تغيير مقر الوزارة، ونقلها إلى مقر آخر، وإذا لم تسعفه الميزانية، نجده يبادر أولا إلى نقل مكتبه إلى أحد الأبراج الشاهقة في طابق عال يكشف أفق العاصمة.
ولذلك، فالوزير الذي يتبع أسلوب العمل هذا يميل إلى التحالف مع إدارة الصيانة والمشروعات في الوزارة، ومقاولي البناء والديكور، وشركات الدعاية والإعلان.
الأسلوب (2): جمّد يجمّد تجميدا
قد يعمد الوزير الجديد إلى “تجميد” كل شيء في الوزارة إلى أجل غير مسمى، أو إلى أن يستوعب تماما المشكلات الحاصلة داخل الكيان الإداري الذي يشرف عليه، نراه يكلف شركة أو شركات استشارية ــــ غالبا أجنبية ـــ لدراسة الوضع في وزارته، ومعرفة مكامن القوة والضعف في أروقتها، وربما يزداد أمد الدراسة إلى سنتين دون أن تكون الوزارة قد أجرت أية مبادرات حقيقية، فالوزير سيظهر أمام الإعلام مصرحا بأن “كل شيء داخل وزارته يخضع للدراسة”، وربما يرحل عن كرسي الوزارة بعد أعوامه الأربعة ـــ أو قبل ــــ وهو لا يزال يردد أن مشروعاته المنتظرة قيد الدراسة، وأنه لم يعط الفرصة لتطبيقها!
وستتحمل “إدارة التطوير الإداري” و”إدارة الشؤون القانونية” العبء الأكبر من العمل خلال عهد الوزير الذي يتبع هذا الأسلوب، وستحظى الشركات الاستشارية بمنزلة عالية عنده.
الأسلوب (3): التفويض للداخل والتفرغ للخارج
الوزير سيقوم باستقطاب وتوظيف معظم “معارفه” بمن فيهم زملاؤه الذين رافقوه في جهة عمله السابقة، ممكنا إياهم من تبوؤ مناصب قيادية في الوزارة، ربما ليس بسبب كفاءتهم الإدارية بقدر ما هو بسبب “ولائهم” لشخصه، وفي هذه الحالة، سيقوم الوزير الجديد بتطهير وزارته من “الحرس القديم” المحسوبين على “تيارات” غابرة حتى أولئك المنظور إليهم على أنهم “كفاءات”، وسيعمد إلى منح “الحرس الجديد” صلاحيات إدارية ومالية واسعة.
وبمجرد أن تستقر الأمور في أرجاء الوزارة، ويمسك “الحرس الجديد” بمفاصلها، سيتوارى الوزير عن إدارة الوزارة، ويتفرغ للخارج (خارج الوزارة) كالمشاركة في لجان مجلس الوزراء والمؤتمرات المحلية والدولية، لكي يظل حاضرا أمام وسائل الإعلام، مرددا وعودا وتصريحات رسمية تظهر بمناسبة ودون مناسبة.
وستكون “إدارة العلاقات العامة” أكثر الإدارات حظوة عند هذا الوزير الجديد، فهي الإدارة التي بيد الحرس الجديد في الداخل لتلميع صورته في الخارج.
الأسلوب (4): السير ببطء لكن بثبات
سيتبع الوزير الجديد هنا أسلوب “التغيير الهادئ”، حيث سيغير بصمت بعيدا عن الأضواء لإعادة هيكلة الوزارة، وإعادة هندسة إجراءاتها، وإعادة تقييم أداء المديرين والموظفين، والتعرف على احتياجات عملاء الوزارة. ورغم أن الوزير سيظل معتكفا داخل وزارته لإصلاحها من الداخل، فإنه قد يظلم من قبل وسائل الإعلام على أنه لم يقدم شيئا، وبالتالي يتألب أفراد المجتمع ضده، فيبدأون بشن هجوم على هذا “الوزير الهادئ” رغم أنهم لم يتثبتوا من الواقع، ويدركوا أنه يقوم بمشاريع إصلاحية آثر ألا يسلط عليها الضوء إلا بعد أن ينتهي تماما، فالوزير هنا ذو نفس طويل، لا يتأثر بالإعلام، ويعمل وفي ذهنه أن يلحظ الناس التغيير بأنفسهم دون أن يحرق ذاته تحت الضوء أو يضخم إنجازاته أو يقدم وعودا لا تنفذ.
الوزير الذي سيتبع هذا الأسلوب سيسعى إلى خلق توازن في القوى داخل وزارته، وبالتالي يتساوى الجميع عنده في المنزلة، لكن الحظوة ستكون للإدارات التي تنجز مشاريعها وفق الأهداف والمواعيد المحددة.
الأسلوب (5): البدء بالمكاسب السريعة
الوزير الجديد الذي يتبع هذا الأسلوب في عمله يملك مستوى عاليا من الذكاء في التعامل مع الجمهور والإعلام، ذلك أنه سيقوم بالإعلان عن خطة التغيير على مراحل لتشويق الناس مبتدئا بإجراء تغييرات على المدى القصير (مكاسب سريعة)، تستهدف عملاء الوزارة وموظفيها، وهي تغييرات ستكون مدعومة بحملة “دعائية” ضخمة في وسائل الإعلام التقليدي والجديد. في هذه الخطة لا يهدف الوزير الجديد إلى “دغدغة” مشاعر الجماهير، كما يظن البعض، إنما يبادر إلى موازنة الأمور، ويقسمها إلى أولويات، لكي يتمكن من معالجة المشكلات العاجلة التي لا تحتاج إلى مزيد من الدراسات المملة!
بعد ذلك سيقوم الوزير بالإعلان عن مبادرات وبرامج للتغيير تطول المديين المتوسط والبعيد، وفي هذه الحالة، يكون الوزير قد كسب ثقة الحكومة والمواطنين مراهنين على نجاحه القادم بالنظر إلى ما حققه من نجاحات على المدى القصير.
وستكون كل من “إدارة الموارد البشرية” و”إدارة تقنية المعلومات” من الإدارات المقربة عند هذا الوزير، لأنه يعتبرهما من القوى المناصرة للتغيير داخل وزارته.
أخيرا..
من الممكن للوزير الجديد أيضا أن يتبع أسلوبا مهجنا يأتي بمثابة نتاج أسلوبين أو أكثر من أساليب العمل الواردة أعلاه، لكنها لن تكون مضمونة النتائج لا على الصعيد الشخصي ولا الوظيفي.
وفي جميع الأحوال، نتمنى للوزراء الجدد التوفيق والنجاح، ونلتقيكم بعد 90 يوما على خير!