مطعم «مظلوم»

كان "شهبندر التجار" يوزع الأدوار بين أصحابه والمقربين منه. أصبح الشهبندر مسيطرا على الولاية لدرجة أنه كان يمنح الألقاب ويوزع العطايا والهبات.
كان الشهبندر يوكل لكل مجموعة من أصحابه مجالا معينا. بعضهم كانوا يسيطرون على سوق النقل، فلا تباع راحلة إلا عن طريقهم، ولا يدخل الولاية "حمار" جديد إلا بعد تصديقهم وموافقتهم.
آخرون سيطروا على أسواق الحلي والمجوهرات، يحددون أسعارها ويصادرون ما يدخل البلاد منها. الأسعار في الولايات الأخرى أرخص بكثير، لكنهم أوجدوا معهدا يخرج دراسات تؤكد صفاء ذهب الولاية دونا عن بقية العالم.
بقي أعظم التجار غنى هم تجار الغذاء، فشعب الولاية وجد ضالته في الأكل ومتابعة مستجداته، خصوصا أنهم أهل كرم وجود، فأحدهم ينحر 25 بعيرا و75 خروفا كل يوم ليطعم البشر والبهائم وحاويات بلدية الولاية.
جذبت تلك الفرصة أغلب تجار الولاية، فاضطر الشهبندر لمنح تراخيص الاستيراد لكل التجار سواء تخصصوا في المجال أم لا، أو كان لديهم تجهيزات لحفظ المواد أم كانوا يضعونها في مستودعاتهم مع الأخشاب و"سكراب الحديد".
ازدهرت مع هذه التحولات "الطليعية" تجارة صنع الأغذية. أصبحت المطاعم والمطابخ تنتشر في كل مكان، حتى قال قائلهم إن أكبر عدد من المطاعم هو في هذه الأرض المباركة. ففي سوق الخضار، وبين ورش إصلاح الرواحل، وأمام وخلف ووسط المشافي، تنتشر المطاعم.
انتشر خبر تجارة الطعام، فأصبحت سيدات المنازل يرفضن الطهي، وأصبح الأبناء يتخلفون عن الوجبات، وأصبح الأب يمر على مطعم كلما ذهب إلى العمل أو عاد. اكتشف تاجر "حذق" أن هذا الشعب الكسول يتمنى أن يصل الطعام إلى فمه وهو على السرير، فباشر بإحضار الطعام إلى كل بيت بـ "رواحله".
أصبحت مهنة "التغذية" جاذبة، فأصدر الشهبندر التراخيص للجميع، وصار كل التجار أصحاب مطاعم. طبخ التجار كل شيء ولم ينظم عملهم أو يحدد نسب الخطر في طهيهم أحد.
ذات يوم بدأ سقوط ضحايا تسمم الغذاء وامتلأت غرف الطوارئ بالمرضى. جاء رجل الشرطة ليقفل المطاعم المخالفة فوجدها تفوق الـ 30. غضب التجار وشهبندرهم, لكن هذه المخالفات الصارخة لم يتم إحالتها للتحقيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي