كيف تفشل في مشروعك التجاري؟

هاجر كل من الإنجليزي وليام بروكتر "صانع شموع" والإيرلندي جيمس قامبل "صانع صابون" في بداية القرن الـ 19 الميلادي إلى الولايات المتحدة واستقرا في ولاية سنسناتي، وتصادف أن يتزوجا من أختين. بعد فترة، جمعهما والد زوجتيهما ليقترح عليهما التعاون مع بعضهما لتأسيس شركة، وبالفعل تم تأسيس الشركة في عيد الهالوين من عام 1837. وفي عام 1858 وصلت مبيعات هذه الشركة إلى مليون دولار، أي بعد ما يقارب 21 عاما، وبلغ عدد موظفيها 80 موظفا. استفادت الشركة من الحرب الأهلية الأمريكية عبر التعاقد مع جيش الاتحاد لتزودهم بالصابون والشموع، وهذا ما جعل منتجات الشركة تعرف على مستوى الولايات المتحدة. بعدها تطورت الشركة لتصبح اليوم من أكبر وأضخم شركات المنتجات الاستهلاكية في العالم.
عند دراسة أي فكرة لمشروع ما، يتوقع معظم الناس أنهم سيحققون أرباحا في عامهم الأول أو الثاني لبداية عملهم في المشروع، وهذا التوقع كأن يتوقع أحدهم من طفل عمره شهر واحد أن يستطيع الركض وليس المشي من أول محاولة. بينما في الواقع، فإن معظم المشاريع الناشئة تحقق خسائر في أول عامين أو ثلاثة من عمر المنشأة، وهذا طبيعي جدا، لأن التخطيط شيء، والواقع المتغير شيء آخر تماما، ولتجاوز هذا العائق يجب على الذي يريد تأسيس عمله الخاص أن يكون جاهزا نفسيا ولوجستيا وماليا لهذه الخسارة، وأن يضع خططا بديلة أو خطط إنقاذ لتجاوز عامه الأول وعامه الثاني، بعدها سيكون صاحب المشروع على دراية تامة بتفاصيل العمل الدقيقة وكيفية رسم العلاقة بينه وبين منتجه وعميله ومقومات منشأته لكي تكون العلاقة رابحة.
لا يحتاج كل مشروع تجاري بالضرورة لتفرغ صاحبه، إلا أن أكثر المشاريع تحتاج إلى أن يتفرغ صاحبها لها، خصوصا إذا كانت فكرة المشروع جديدة أو غير مألوفة أو تحتوي على تفاصيل كثيرة. المهم أنك ستقع تحت ضغط الاختيار بين الوظيفة وبين التفرغ لعملك الخاص، وأنا أضمن لك أن 80 في المائة من الناس الذين ستقوم باستشارتهم سيشيرون عليك بالبقاء في الوظيفة لأنها مصدر آمن للدخل.
هنا عليك أن تسأل نفسك سؤالا واحدا: هل يجب أن أرسم حياتي بنفسي أم أجعل الغير يرسمها لي؟ وفي الحقيقة أن هذا السؤال ليس رومانسيا أبدا، بل سؤال مفصلي في حياة كل منا، سواء كان حول الوظيفة أو العمل الحر أو الخيار بين شراء بيت أو شقة، فطالما كانت خياراتك مثل خيارات 80 في المائة من الناس، فلا تتوقع أن تكون نتائج هذه الخيارات مختلفة عن بقية من حولك، ستكون بلا شك مجرد نسخة مكررة ممن حولك. هذا لا يعني أن تجربة التفرغ لإنشاء مشروع جديد تجربة وردية، قد تكون هذه التجربة من أصعب التجارب التي قد يمر بها الإنسان، لكنها ومن واقع تجربتي الشخصية، تجربة تستحق العناء، لأنك سترى الدنيا بشكل مختلف، وستعرف جيدا بعد أعوام قليلة من العناء والنجاح أن قرارك بتأسيس عملك الخاص هو أفضل قرار اتخذته في حياتك.
لم يحقق بروكتر وقامبل أرباحا في سنواتهما الخمس الأولى، ولكن إصرارهما على البقاء والنجاح جعل من شركتهما بعد أكثر من 177 عاما شركة عالمية بلغت مبيعاتها في عام 2013 أكثر من 80 مليار دولار، فكم بيننا اليوم رواد أعمال يحملون أفكارا وصبرا يمكنهم من تحقيق نجاحات كبيرة؟ أعتقد أن بيننا الكثير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي