أنظمة التمويل العقاري وتحقيق الاستدامة لتمويل قطاع الإسكان

حظيت الأنظمة المتعلقة بالتمويل العقاري خلال الفترة الماضية بأهمية كبيرة بل أولوية لمراعاة الحاجة الماسة إلى ضبط ممارسات المصارف وجهات التمويل في هذا المجال، ومراعاة لحقوق طرفي العلاقة في التمويل، فقد بدأ هذا البرنامج بإصدار الأنظمة التي لها علاقة بالتمويل العقاري، ومنها نظام التمويل العقاري ونظام الإيجار التمويلي ونظام مراقبة شركات التمويل، ومن ثم صدرت لاحقا اللوائح التنفيذية للأنظمة الثلاثة السابقة، وبدأ تطبيق النظام في بداية عام 1436هـ الموافق تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 2014 في إطار تحول كبير وعمل يؤسس لنظام شامل لنشاط الرهن العقاري في المملكة، الذي لم يكن يخضع لأنظمة مستقلة تراعي خصوصية مثل هذا النشاط وأهمية العناية به باعتبار أن قطاع الرهن العقاري لدول كثيرة حول العالم يعد قطاعا مستقلا تشارك فيه المصارف وكثير من الشركات المتخصصة بذلك، حيث يعتني بتمويل أحد أهم قطاعات الاستثمار، وفي المملكة ودول الخليج عموما يشكل هذا القطاع جزءا كبيرا من حجم الاستثمارات بها، وهذا ما يتطلب عناية كبيرة بتنظيمه بصورة تحقق الاستدامة لهذا النشاط، وتشجع على استمرار النمو به.
إذا ما نظرنا إلى الصورة العامة لنشاط التمويل العقاري في المملكة سنجد أنها عبارة عن قطاع تستأثر المصارف بحصة الأسد منه، ومع ذلك فإنه لم يكن لها حق رهن العقار كضمانة لعلاقة تمويل قد تمتد لما يزيد على 20 عاما، إذ كان تملك العقار يعد محظورا تماما على المصارف، ولذلك فإنها تلجأ إلى علاقات مع جهة خارجية عقارية، أو أنها تؤسس شركات مملوكة لها لتتملك العقار خلال فترة التمويل، وفي حال حصول عجز عن السداد أو أي خلاف بين طرفي العقد، سواء المصرف أو العميل فإنه لا يوجد نظام واضح يلجأ إليه في هذه الظروف، مما عزز من نفوذ جهات التمويل، وذلك حماية لنفسها من مخاطر تعثر عملائها، وبعد صدور هذا النظام أصبحت العلاقة بين طرفي العلاقة أكثر عدالة وانتظاما ووضوحا من ذي قبل.
عندما نتحدث عن الرهن العقاري أو قطاع الاستثمار العقاري الذي يحتاج إلى التمويل سنجد أننا لا نقتصر في ذلك على قطاع تمويل المساكن وإن كان يستأثر بجزء كبير منه، ولكن قطاع التمويل العقاري يشمل تمويل كثير من المشاريع الاستثمارية التي تحقق تنمية في المجتمع، إضافة إلى أنه يمكن كثيرا من المستثمرين من توفير السيولة لأنشطتهم العقارية وغيرها، كما أنها تدفع كثيرا من الصناديق الاستثمارية إلى الاستثمار في القطاع العقاري، وتعزز من أنشطة موازية للتمويل مثل الصكوك الإسلامية، التي تعتمد في هيكلتها على الأصول ومنها الأصول العقارية.
لا شك أن الاهتمام الكبير الذي حظيت به مشاريع الإسكان نتج عنه مجموعة من الإجراءات والخطوات التي يؤمل المواطن أن تحقق له الاستقرار والرفاة، وذلك بتوفير فرص تملك السكن الذي يعد من أهم العناصر لتحقيق الاستقرار للمواطن، حيث إن الفترة الماضية شهدت ارتفاعا في أسعار المساكن بصورة لا تمكّن المواطن من تملك مسكن بصورة ميسرة.
كما نعلم أن مشكلة الإسكان من القضايا التي أصبحت ذات أهمية كبيرة في المجتمع، والخطوات الحكومية في معالجة مشكلة الإسكان لدى المجتمع ركزت في هذه المرحلة على جانب التمويل وهذه الخطوة قد تكون الأيسر، وصدور نظام التمويل العقاري ولوائحه التنفيذية الذي تمت الإشارة إليه يحفز المصارف والمؤسسات التمويلية لتقديم التمويل بغرض الحصول على مسكن أو عقار بصورة عامة، بل إن هذا النظام سمح لجهات استثمارية أخرى بتقديم التمويل العقاري لتدخل طرفا في المنافسة مع المصارف بما يحقق نوعا من المنافسة في الأسعار والخدمة، إضافة إلى سعي الجهات التنظيمية إلى تمكين المواطن من الاستفادة من قرض صندوق التنمية العقاري بإضافته إلى تمويل آخر تقدمه المصارف في إطار علاقة لا تحرم المواطن من فرصة الحصول على تمويل حكومي مجاني عندما لا يكون لديه الأرض ليتمكن من البناء عليها، وهذا ما يدعم وجود مشاريع واستثمارات في قطاع الإسكان.
البرامج التمويلية لقطاع الإسكان، كما سبق، لا تخص الأفراد فقط، ولكن هي أيضا تقدم فرص التمويل للمستثمرين في القطاع العقاري، مما يشجع على إنشاء مزيد من مشاريع الإسكان ويوفر فرصا تنافسية في الجودة والأسعار والحلول التي تناسب الأفراد.
نظام رهن التمويل العقاري الجديد يتميز بأمور في مصلحة العميل بصورة عامة ومصلحة جهات التمويل، ففي الوقت الذي مكّن فيه جهات التمويل من شراء العقارات ورهنها بدافع التمويل، الذي خفف عليها من أعباء إنشاء وحدات إضافية بغرض تملك العقار والذي يعد أداة تمكن جهات التمويل من حفظ حقوق في حال تعثر العميل عن السداد، ولكن مثل هذه الوحدات تمثل عبئا وتكلفة على جهات التمويل، كما أنها قد تخضع لأنظمة مختلفة عن جهات التمويل، وهذا ما قد يدفعها إلى تطبيق أنظمة لا تتناسب مع طبيعة المصارف ولا تكون خاضعة لأنظمة مؤسسة النقد مما قد يتسبب في ازدواجية في جهات التنظيم والترافع للعقد الواحد. كما أن هذا التنظيم فيه مصلحة للعميل في وضوح إجراءات التمويل، كما أنه يعطي فرصة للعميل لتملك العقار في حال رغب في سداد ما عليه مبكرا عند توافر مبلغ الدين لديه، خصوصا عندما نعلم أنه في مثل هذا التمويل قد يمتد إلى فترة طويلة تصل إلى أكثر من 20 عاما، ويصل حجم مثل هذا التمويل إلى ملايين الريالات فعندما يتمكن العميل من الحصول على العقار في فترة أقل فإنه سيوفر مبلغا كبيرا، خصوصا في مراحل التمويل الأولى، علما بأنه وبحسب نظام التمويل العقاري، فإنه من الشروط ألا يتجاوز القسط نصف الراتب، ونحن نعلم أن بعض الأفراد قد يتضاعف راتبه خلال مدة 20 عاما أو يتمكن من الحصول على دخل إضافي بأي سبب من الأسباب، وهذا ما قد يشجعه على تملك العقار في فترة أقصر، ومن هنا فإنه يستفيد كثيرا من السداد المبكر دون مطالبته بتكلفة إضافية عن بقية المدة، كما أن من الفوائد التي سيجنيها المواطن من هذا النظام أنه يطالب باحتساب الربح عن القيمة المتبقية للتمويل، وليس على أساس كامل التمويل، وهذا سيعظم حجم التوفير للعميل في حال رغب في السداد مبكرا، حيث إن الطريقة الأولى تحتسب نسبة الربح على أساس كامل القرض فيظهر رخيصا وعند السداد واحتساب النسبة نفسها سيجد العميل أنه سيوفر فقط قليلا من المال خصوصا في السنوات الأخيرة للتمويل، كما أن النظام حدد بصورة قاطعة الحد الأقصى للرسوم الإدارية التي تبالغ فيها بعض جهات التمويل في الفترة السابقة. من ميزات هذا النظام أنه أخذ في الاعتبار أن يكون برنامج التمويل مطابقا للشريعة الإسلامية، وهذا سيعزز اطمئنان العملاء لمثل هذا النوع من التمويل إضافة إلى أنه يزيد من تنافسية السوق مع الإقبال الكبير على التمويل الإسلامي، كما أن هذا سيحفز جهات التمويل على تطوير المنتجات المتوافقة مع الشريعة التي تلبي احتياج الأفراد وتناسب رغباتهم، ويزيد من مركز المملكة كإحدى أكبر الدول في العالم في حجم أصول التمويل الإسلامي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي