قانون «فاتكا» الضريبي .. وأثر تطبيقه على السعوديين

يهدف قانون "فاتكا" إلى الحد من التهرب الضريبي وجعله صعبا على من يحمل الجنسية الأمريكية من الأفراد، أو من ولد في أمريكا أو لديه تصريح إقامة دائم في أمريكا (قرين كارد)، ويمتد الأثر بذلك على الشركات أو المؤسسات التي يكون شريكا فيها أو مالكها أحد من تنطبق عليه الشروط السابقة. وبموجب هذا القانون وهو اختصار "قانون الامتثال الضريبي لحساب الأجنبي" ومسمى القانون Foreign Account Tax Compliance Act- FATCA، وأقول إنه بموجب هذا القانون فإن جميع المؤسسات المالية في العالم ملزمة بالإفصاح لمصلحة الضرائب الأمريكية عن جميع المعلومات المتعلقة بالمواطنين الأمريكيين أو المقيمين في الخارج ممن يحملون الجنسية الأمريكية أو تنطبق عليهم الشروط.
صدر هذا القانون في 18 آذار (مارس) 2010، وأصبح فعالا ونافذا بتاريخ الأول من (حزيران) يونيو 2014، ويقوم مبدأ الالتزام فيه على الاتفاقيات الثنائية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، مما يخول الدولة التي وقعت على الاتفاق إلى سن تشريع وطني يلزم المصارف المحلية برفع هذه المعلومات للبنك المركزي وبدوره البنك المركزي يزود سلطة الضرائب الأمريكية بهذه المعلومات. وفي حالة عدم التزام بعض الدول توقيع هذه الاتفاقية، فما زالت الحكومة الأمريكية باستطاعتها فرض هذا القانون من خلال إلزام المؤسسات المصرفية المرتبطة بمصارف أمريكا بتزويدهم بهذه المعلومات وإلا وقعوا تحت طائلة العقاب ومن ضمنها حجز 30 في المائة من مدخرات المصرف وذلك مقابل عدم التجاوب. ولا يخفى على أحد أن أساس النظام المصرفي في العالم مرتبط ارتباطا وثيقا بالمصارف الأمريكية، لعدد من الأسباب من ضمنها عملة الدولار الأمريكي وقوة الاقتصاد الأمريكي.
السعودية من الدول التي تم التفاوض معها لإيجاد اتفاقية مشتركة لتنفيذ هذا القانون، وقد وافق مجلس الوزراء على تفويض وزير المالية السعودي من أجل التوقيع مع وزارة الخزانة الأمريكية على بنود هذه الاتفاقية، وتعتبر السعودية الآن في مراحلها الأخيرة من المفاوضات، وتم الاتفاق على المبادئ الأساسية في اتفاقية التعاون وأصبحت السعودية بذلك ضمن مجموعة MODEL1 في الاتفاقيات الحكومية الدولية Intergovernmental Agreement، ويتوقع الانتهاء من توقيع الاتفاقية والبدء في تنفيذها في بداية عام 2015. ويجب التنويه بأن دولا ذات اقتصاد ضخم عالمياً قد وقعت هذه الاتفاقية مثل بريطانيا، وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وسويسرا، واليابان. أما بالنسبة لروسيا فما زالت في طور المفاوضات بهذا الخصوص من أجل تطبيق المعاملة بالمثل، وقد وصلت لمراحلها الأخيرة. أما بالنسبة للصين فما زالت ممتنعة عن الخضوع لهذه الاتفاقية وكذلك الحال لمصارفها، ولا شك أن لذلك تبعات اقتصادية. ويقدر عدد الدول التي أجرت الاتفاقيات الابتدائية أو أنهت اتفاقها في حدود 99 دولة حول العالم، ما يعني تضييق النطاق على الدول الرافضة لاعتبارها ستكون مصارفها منعزلة عن بقية دول العالم.
يعتبر قانون الضرائب الأمريكي من القوانين المعقدة التي تحتاج إلى مختص في الجانب المحاسبي والقانوني، وذلك لمعرفة المنافذ من أجل تقليل نسبة الضريبة الواجب دفعها. وتفرض الحكومة الأمريكية على جميع مواطنيها المقيمين أو الذين في الخارج التزام الإفصاح عن الممتلكات المالية والمداخيل المحققة وذلك من خلال نماذج مخصصة، وعدم التزام مواطنيهم الذين لديهم حسابات خارج المصارف الأمريكية بهذا الأمر جعل هذا القانون يصدر، وهو ليس بقانون ضريبي جديد، بل مكمل لقانون الضريبة الأمريكي، وتقدر قيمة المبالغ المتوقع تحصيلها سنوياً في حدود 100 مليار دولار أمريكي. وعدم التقيد بهذا الالتزام يوقع الشخص تحت طائلة العقاب المتمثل بالسجن أو الغرامة، والغرامة قد تصل إلى 40 في المائة من قيمة الرصيد المعلوم لديهم، أما عقوبة السجن فقد يتم الاستعانة بالإنتربول من أجل تنفيذ الأحكام الصادرة بحق الشخص المُعاقب.
يقدر عدد السعوديين الذين يحملون الجنسية الأمريكية في حدود 200 ألف سعودي، وهذا يعني ازدواج الجنسية الذي يعاقب عليه نظام الجنسية العربية السعودية بإسقاط الجنسية السعودية حال ثبوت ذلك. وهذا يعتبر عددا كبيرا مقارنة بعدد المواطنين، ويقع عليهم التزام كبير بخصوص دفع الضرائب المتراكمة، ولا يمكن للشخص إسقاط جنسيته الأمريكية حتى يتم تصفية ما بذمته من التزامات ضريبية أمام الحكومة الأمريكية. أما بالنسبة لقيمة المبالغ الخاضعة للضريبة للأفراد فإنها تبدأ مع توافر مبلغ 50 ألف دولار أمريكي بحساب الشخص، أو توافره خلال السنة المالية الماضية، مما يعني أن عليه التزاما بدفع ضرائب تبدأ بـ 30 في المائة من هذه المبالغ لمصلحة الضرائب الأمريكية، والأمر فيه تفصيل مطول. بينما يقع على عاتق المؤسسات المملوكة للأمريكيين أو الشركات التي بها شركاء من حملة الجنسية الأمريكية أو تنطبق عليهم الشروط التزام دفع الضرائب إذا كانت المبالغ المملوكة أكثر من 250 ألف دولار أمريكي. وتقوم المصارف بتزويد مصلحة الضرائب الأمريكية من خلال البنك المركزي بمعلومات كل من تنطبق عليه الشروط، وهذه المعلومات تتضمن الاسم والعنوان ورقم الحساب، والرصيد، ورقم الهوية الوطنية، وتفاصيل حركة الحساب. والمتوقع أن بمجرد بدء تطبيق الاتفاقية سيتم البدء بالحسابات الضخمة والشركاء في الشركات الكبيرة، ويقع على جميع من تنطبق عليهم الشروط أخذ الموضوع بجدية وبحث الحلول المناسبة قبل صدور أحكام ضدهم بالتهرب الضريبي.
وأختم بسؤال قد طرحه الكثيرون، ألا يوجد من يعارض هذا القانون الذي يتعدى على سيادة الدول الأخرى؟ وأوضح أن هناك عديدا من المحاولات القانونية الصادرة من قبل المحامين في عدد من الدول ومن ضمنها كندا، وذلك بحجة أن هذا القانون يخالف أساس مبدأ الحقوق والحريات، وأن هذا التشريع الوطني المبني على الاتفاقية الدولية يتناقض مع المبادئ الدستورية لتلك البلدان. وتوجد منظمة أمريكية غير ربحية اسمها "اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري"، تجادل في مسألة دستورية هذا القانون باعتبار أن هذه الضرائب المتحصلة مبنية على أساس المواطنة والجنسية فقط، وأن المفترض أن تكون الضريبة قائمة على أساس الإقامة والاستفادة من الموطن.

محام ومستشار قانوني

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي