ملياردير يوقف ثروته لأمته

قبل أكثر من قرن ونصف برز نجم أندرو كارنيجي المولود عام 1835م كأكثر الأشخاص ثراءً على مر التاريخ تركزت تجارته واستثماراته في مجال الحديد والصلب فهو مؤسس شركة الحديد الشهيرة التي عرفت لاحقاً بـ "يوإس ستييل" مالك أكبر مصانع الحديد والفولاذ في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بلغ إنتاج مصانعه قرابة 90 في المائة من الحديد المستهلك في أمريكا. كتب مقالة شهيرة بعنوان "إنجيل الثروة" في عام 1889م خلص فيها إلى أنه "ليس اليوم ببعيد عندما يموت الرجل ويترك خلفه الملايين من الثروة المتاحة التي كان بإمكانه أن يديرها خلال حياته، سوف تذهب بغير رثاء، بغير شرف، بغير معنى" ، وقد أثرت هذه المقالة جداً على روكفلر -إمبراطور النفط الأمريكي ومؤسس شركة ستاندرد أويل وأول شخص في العالم تبلغ ثروته مليار دولار - في عام 1889م حيث بعث برسالة إلى كارنيجي كتب فيها: "أتمنى أن أصحاب الثروات كانوا يفعلون بأموالهم ما تقوم أنت بفعله، ولكن اطمئن، فإن المثال الذي صنعته سوف يثمر وسوف يأتي الوقت الذي يكون فيه أصحاب الثروات على استعداد لاستخدام ثرواتهم في منفعة الغير" ودفع إدراك كارنيجي إحدى السنن الإلهية العظيمة في هذا الكون حول حقيقة الثروة والمال وأنها في حقيقتها وسيلة ابتلاء وامتحان للمرء أن يعلن قبل وفاته "أنه من العار أن يموت وفي حيازته أي ثروة" ونادى بتوزيع فائض الثروة على المحتاجين ولصالح الخير العام. ، ومن الوفاء لوالدته لم يتزوج إلا بعد وفاتها حيث ظل يخدمها بنفسه حتى توفيت عام 1887م وتبرع بستين مليوناً من الدولارات للمكاتب العامة وثمانية وتسعين مليوناً لنشر التعليم، ونالت الكنيسة النصيب الوافر من تبرعاته، وذكر أنه كان يتبرع بمليون دولار في اليوم الواحد لمدة سنة. حينما بلغ الخامسة والستين من عمره عام 1901م قرر وزوجته أن يتفرغا لأعمال الخير وباع جميع شركاته ومصانعه بمبلغ 400 مليون دولار وأوقف هذا المبلغ الضخم على الفقراء ودور رعاية الأيتام ودور العلم، وبدأ يشرف بنفسه على إدارة أمواله في الأعمال الخيرية لمدة عشر سنوات، وكان يرى أن السعادة الحقيقية هي أن تنفق المال في إسعاد الآخرين أثناء حياتك وترى في وجوههم الفرحة والابتهاج عندما يبتعد عنهم شبح الفقر، وكان لديه قناعة بأن التعليم هو أقوى سلاح لمحاربة الفقر والقضاء عليه، لأجل هذا سعى لتمويل 3000 مكتبة في 47 ولاية أمريكية وأسس "معهد كارنيجي للعلوم" في واشنطن و"معهد كارنيجي للتكنولوجيا" في بطرسبرج في عام 1902 الذي اندمج لاحقاً في عام 1967 في "معهد ميلون للأبحاث الصناعية" الذي أسسه "أندرو وريتشارد ميلون" في عام 1913 ليصبحا "جامعة كارنيجي ميلون" التي لديها إلى اليوم ارتباط بـ 13 شخصاً حائزاً جائزة نوبل وتصنف حالياً ضمن الجامعات الأقوى في الولايات المتحدة.
في عام 1905م أسس "مؤسسة كارنيجي للارتقاء بالتدريس" التي هدفت لتحفيز وتبجيل وارتقاء مهنة التدريس والتعليم العالي. وفي عام 1910 م أسس وقف "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي" التي لا تهدف إلى الربح ككل المؤسسات السابقة وإنما هدفها الدفع بالسلام العالمي إلى الأمام والتعاون بين مختلف الدول.
فكارنيجي يعد أنموذجا لرجل الأعمال الوفي لوطنه وعقيدته التي يؤمن بها. وتاريخنا الإسلامي يزخر بشواهد ونماذج مشرفة لرجال أوفياء لدينهم وعقيدتهم وأمتهم، بذلوا أموالهم وثرواتهم في سبيل نصرة الدين وإعزازه وبذل الخير للغير وما زالت الأمة تفرز لنا رجالاً أوفياء أوقفوا أموالهم وثرواتهم في مجالات البر والإحسان والدعوة إلى الله تعالى. والمؤمل أن تكتسح هذه الثقافة أوساط رجال الأعمال والأثرياء والموسرين ليؤسسوا لهم أوقافاً ومؤسسات خيرية في حياتهم ترفع ذكرهم في الدنيا والآخرة "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي