نظم اختيار القيادات الحكومية.. ألم يحن وقت التغيير؟
لم أقرأ من قبل عن وجود علاقة طردية ثابتة، مفادها أنه كلما زادت أقدمية الموظف في المرتبة الوظيفية، كان أداؤه أفضل. بيد أن الأنظمة الحالية لشغل وظائف القيادات الحكومية العليا في الخدمة المدنية، تفترض وجود هذه العلاقة، فهي تعتبر أن الموظف "الأقدم" هو "الأجدر" بالترقية إلى الوظائف القيادية.
وعلى الرغم من أن معيار "الأقدمية" قد يحل معضلة، بالمساواة في فرص الترقية على أساس ميزان محدد. إلا أن ذلك الميزان قد تناول الجانب الزمني، ولم يهتم بجانب آخر مهم، وهو مقدار المعرفة والمهارة المكتسبة خلال تلك الفترة الزمنية التي اعتبرت ميزانا للتفاضل. وعليه، فقد يظن البعض أن الموظف صاحب الأقدمية هو أحق ـــ من حيث المبدأ ـــ بالترقية. إلا أن "القيادة" لا تكتسب بالأقدمية على الإطلاق. فالأقدمية ليست معيارا موضوعيا، ولا تضمن توافر القدرة الكافية والقيام بالواجبات الوظيفية القيادية، وهي تبذر بذور اللامبالاة وضعف الإنتاجية. كما أن للعدالة جانبا آخر، يؤكد أن "الأكثر كفاءة"، هو الأحق بالترقية.
وبلغة الأرقام والإحصائيات، فهناك 2520 موظفا في المراتب 13 ــ 15. تتراوح أعمار 91 في المائة منهم بين 51 و 60 سنة. ما يعني أن أجهزتنا الحكومية تواجه الشيخوخة، فالغالبية العظمى من القيادات العليا سيتقاعدون خلال السنوات العشر المقبلة. أما الفئتان العمريتان (41 ـــ 50)، و(31 ــ 40)، فتقدر بمعدل 8 في المائة و1 في المائة على التوالي. إن ما يفسر ذلك هو تغليب معيار "الأقدمية"، إذ إنه حتى يصل القيادي إلى المرتبة 13 على سبيل المثال، عليه أن ينتظر - على الأقل - 22 سنة، ما يعني أنه سيصل وهو في منتصف الخمسينيات من العمر!
إن من الأجدر إعادة النظر في الآلية المتبعة في تعيين القيادات العليا ضمن قطاع الخدمة المدنية في المملكة، من منطلق مواكبة المستجدات المحلية والعالمية، وضمان توفير الأفراد الذين يمتلكون القدرات والمهارات الكافية. خاصة في عصرنا الحاضر، والذي أصبحت فيه مفاهيم الابتكار والإبداع والمبادرة والريادة، مفاهيما أساسية لأداء الأعمال القيادية. ولن يتم ذلك إلا بالتخلص من قواعد التوظيف ضمن العلاقة اللائحية، واستبدالها بالعلاقة التعاقدية لأجل يحدده أداء القيادات التي يتم التعاقد معها. إن من شأن ذلك إعطاء قدر أكبر من الحرية في التحرك للقيادات العليا، لكي يتمكنوا من الإدارة والتجاوب مع متطلباتها بفاعلية أكبر، حيث يتم توظيفهم من خلال التعاقد مع من يمتلك خبرة متميزة منهم، وسمات أساسية كاريزمية ينبغي أن يمتلكها القائد. وبطبيعة الحال، قد تمتلك المواهب الشابة تلك المواصفات، بينما قد يفتقر إليها الموظفين القدامى.
ومن خلال النظرة الشمولية الاستراتيجية، وبمقياس "التكلفة والعائد"، فإن نسبة القيادات الحكومية العليا في المملكة أقل من 1 في المائة من مجموع الموظفين العموميين فيها. وبالتالي، فالتعاقد معهم لا يشكل عبئا ماليا، مقارنة بالمردود العالي جدا. كما أن التعاقد سيمكّن الأجهزة الحكومية من اختيار أفضل الخبرات والكفاءات. وبالمقابل، فإن القيادات التي يتم التعاقد معها ستسعى لتقديم أفضل ما عندها، حتى يتم تجديد العقد معها، ومن لا تثبت كفاءته منها، يمكن ـــ ببساطة ـــ أن يتم الاستغناء عنه. كما أن تبني العلاقة التعاقدية قد أثبت نجاحات عدة في كثير من الممارسات الدولية الرائدة في أمريكا، بريطانيا، بلجيكا، فرنسا، أيسلندا، إيرلندا، هولندا، إسبانيا وكوريا.
خلاصة القول: لا ينبغي أن نبقى أسرى لأنظمة وضعت لتخدم أوضاعا، عفى عليها الزمن!