الحسم والعزم في «عاصفة الحزم»
ذات ربيع، دار حوار بين خروف وذئب. قال الذئب للخروف: رأيتك قبل عام وقد أخرجت لسانك لي، ثم هربت. فأجابه الخروف: إن عمري لم يتجاوز بضعة أشهر، ولم أكن قد ولدت آنذاك. رد الذئب قائلا: إذن، هو أخوك، فهو يشبهك تماما! فقال الخروف: لقد كان لي أخ، لكنه ذبح في العيد. وحين أيقن الخروف أنه هالك لا محالة. قال: أيها الذئب، أنت تريد افتراسي، وأنا لا مانع لدي! لكنني أتوسل إليك، لا تحملني مسؤولية موتي!
إن لهذه الحكاية مثيلاتها في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ الأمة. فكم من "ربيع" مزعوم، نتجت عنه حالات من التيه والضياع، وانعدام الاستقرار والأمن، وزحمة موت "بالجملة"، واقتتال داخلي مريع، وصراع سياسي بائس في كثيرٍ من الأقطار العربية. حتى بات الكثير من أطفال العرب من الحفاة والعراة وسكان الأرصفة، يكتبون واجباتهم المدرسية على القبور بدلا من الطاولات، ويقضون حاجاتهم "كالإنسان الأول" في العراء!
تلك الحكاية التي استهللت بها مقالتي، أثارت عبارة في الذاكرة مفعمة بالدلالات، نقشها الإغريق القدماء على شواهد قبور محاربيهم، كانت العبارة هي: "الأحرار وحدهم من يدافعون عن أوطانهم. أما العبيد فلا وطن لهم ولا منفى، لأنهم أدمنوا قيودهم، وحولوها إلى حلي للزينة. وحين لا يجدون أسيادا يقبلون أقدامهم، يشعرون بالبطالة!".
وعلى أية حال، فإن من يقرع طبول الحرب، عليه أن يسمع صداها. وبعد استنفاد كل "الطرق السلمية" للحوار في اليمن، أصبح "القرار السليم" هو اللجوء إلى نوع آخر من الحوار، حوار حازم وحاسم ومقدام. وبات من اللازم إعادة الأمور إلى نصابها في اليمن العزيز، وإيصال صدى طبول الحرب إلى عصابة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، الذي أنقذته السعودية بعد خروجه حيا من تلك المحرقة، وقرر رد "الجميل" على طريقته، مستخدما ورقة "الحوثيين"، للعبث بأمن اليمن، وتهديد مصالح السعودية وجيرانها. ولما لم تجد الوساطات والمطالبات والتحذيرات آذانا صاغية في اليمن، بادرت السعودية بالاستجابة إلى استغاثة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وأطلقت العملية العسكرية الجسورة، التي أسمتها بـ "عاصفة الحزم"، والتي تم استلهامها من المقولة الحكيمة لمؤسس المملكة، الملك عبد العزيز، والتي قال فيها: "الحزم، أبو العزم، أبو الظفرات. والترك، أبو الفرك، أبو الحسرات".
حظيت "عاصفة الحزم" بدعم خليجي وعربي وإسلامي ودولي، حتى عدت العملية كأقوى تحرك عربي عسكري منذ حرب 73 حتى الآن، حسب إفادة معهد واشنطن. لقد جاء هذا القرار الحازم للدفاع عن الشعب اليمني وإنقاذه من المغامرات العبثية للمليشيات الحوثية العميلة، التي أرادت أن تشيع الفوضى في اليمن وفق أجندات أجنبية خبيثة، ولاستعادة السلطة الشرعية المعترف بها دوليا، وتحقيق الأمن والاستقرار، وتجنيب اليمن الدخول في نفق حرب أهلية طويلة كما حدث في دول أخرى. كما أن عاصفة الحزم تحمل في طياتها رسالة قوية بأن عنوان المرحلة القادمة لسياسة المملكة هو الحسم والحزم، تلك السياسة التي تعكس إدراك المملكة لدورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي، وهي رسالة لأولئك الذين يحاولون زعزعة الاستقرار في المملكة أو محيطها بأنه ستتم مواجهتهم بكل حزم وعزم وقوة. وهي رسالة قوية لإيران وسياستها التوسعية الاستفزازية، وتدخلاتها العبثية، ومحاولتها إثارة وتأجيج النعرات الطائفية والتحريض ونشر الفوضى، والسعي لغرس بذور الفتنة والتناحر بين أبناء الشعب العربي، وهو أمر لن يسكت عنه وسيتم التصدي له بكل حزم. فقد أعلنها سلمان بن عبد العزيز بأن زمن "الترك أبو الحسرات" قد ولى، وجاء زمن "الحزم أبو الظفرات".
كل الشكر للقرار الشجاع والحكيم لخادم الحرمين الشريفين، ملك الحسم والعزم والحزم، سلمان بن عبد العزيز. اللهم اكف بلادنا وبلاد اليمن شر الأشرار، وكيد الفجار، يا قوي يا عزيز يا جبار. واحفظ بلادنا، وقيادتنا، وأبناءنا المرابطين. واحرسهم بعينك التي لا تنام، وأقر أعيننا بعودتهم سالمين منتصرين.