ماذا ينتظر العالم الذي غادره الأمير سعود الفيصل؟

غياب شخصيات كبيرة ومؤثرة ليس على مستوى أوطانها، بل خارج حدودها أيضا يكون غالبا مناسبة للتأمل والتذكار والحزن وأحيانا كثيرة الخشية لما قد يخبئه لنا عالمنا المليء بالمفاجأة.
الأربعون سنة التي قضاها الأمير وهو يمثل بلد الحرمين في المحافل الدولية حفظت للمملكة مكانتها وأنقذتها من تجاذبات صراع القطبين والصراع الإقليمي والتناحر الشديد والتقلبات الكثيرة التي ضربت العالم العربي وأحيانا على مسافة حجر منها.
ليس الكل يتفق مع السياسة الخارجية لأي بلد. هناك من يرضى وهناك من يغضب. ولكن إن نظرنا إلى العالم البعيد عن بلد الحرمين والقريب منه لرأينا أن هناك تقلبات وأحيانا فوضى عارمة لم تبق أي شيء، كما كان وأغلبه تقهقر، أي أنه يمر من وضع سيئ إلى أسوأ بعد أن كان ينعم بالخير والهدوء. قد يسأل البعض لماذا وكيف تبقى بؤرة الثراء الاستراتيجي في العالم – وهنا أعنى بلد الحرمين وشقيقاته دول مجلس التعاون – في منأى من كل هذه التقلبات والاضطرابات التي تعصف بالمنطقة وتغير فيها لا بل تمسح حدودها؟ الكثير من الفضل في هذا يعود إلى الأمير الراحل وحنكته الدبلوماسية. وهذا ما أكده أغلب المحللين في الصحافة العالمية في تقاريرهم عن رحيله وسيرة حياته كوزير للخارجية.
وأنت تقرأ عنه ترى الإجماع الكبير حول دوره وتأثيره وأنه كان قد حاز على الإعجاب والاحترام في مسيرته الطويلة إلى يوم تركه لمنصبه في نيسان الماضي بسبب المرض. يسأل الكثير من المحللين: كيف استطاع الأمير قيادة دفة سفينة بلد الحرمين في بحر تقاذفته الأمواج دون أن يصيبها مكروه؟ الجواب ليس صعب المنال: التحفظ والتميز والرشد والهدوء.
وإن كان للدبلوماسية السعودية من فضائل فهذه الخصال الأربع تبقى سمتها البارزة لا بل مدرستها الرصينة، وهي التي غرسها فيها الفيصل.
لقد قيل فيه الكثير بعد رحيله، ولكن ما أتي على لسان رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير كان له وقعه ونقلته الصحافة العالمية في أغلب ما كتبته عنه. قال بلير في بيان خاص: "كان الأمير سعود الفيصل رجل يتصف بدرجة عالية من الإنسانية والحكمة والإحساس. لقد عمل دون كلل من أجل السلام". بيد أن العالم الذي غادره الأمير فيه من العواصف والأمواج ما قد يصيب أي قبطان بالهلع. ما يبعث إلى الطمأنينة هو أن الأمير سلم السفينة وهي في أحسن حالها رغم الموج العاتي.
ليس هذا فقط بل أسس مدرسة ومنهجا بإمكان بلد الحرمين النهل منه، واللجوء إليه في الشدة وعندما تزداد الأمواج ارتفاعا.
لا أظن أنه من السهولة بمكان ملء الفراغ الكبير الذي تركه الأمير برحيله. ولكنه ترك بصمات على الدبلوماسية السعودية من خلال الخصال الأربع التي ذكرناها آنفا، وهي: التحفظ والتميز والرشد والهدوء، وستبقى هذه الخصال ملائمة ومفيدة وذات صلة ومناسبة.
إنها مدرسة الأمير سعود الفيصل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي