الرسالة الأمريكية بعد الاتفاق النووي بين تحالف يتوكأ وآخر يتطلع
أحلام ولت ورؤية للمستقبل لم تتبين ملامحها بعد .. بين تحالف يتوكأ على عصا الماضي وتحالف يتطلع إلى إعادة صياغة العلاقات على نحو يضمن عدم الإضرار به والحفاظ على مصالحه، أتت زيارة أول مبعوث أمريكي للمنطقة بعد الاتفاق النووي.
الراصد للأحداث بعد اتفاق الولايات المتحدة والدول العظمى مع إيران يجد أن أول زيارة أعقبت الاتفاق لمسؤول أمريكي كانت لوزير الدفاع آشتون كارتر، وهي تأتي في إطار جولة إقليمية لمبعوث البيت الأبيض لتهدئة مخاوف حلفائها في المنطقة، وتأكيد رسالة بتوجه قادم.
لماذا وزير الدفاع الأمريكي؟ ولماذا لم يكن المبعوث الأمريكي يحمل درجة دبلوماسية أعلى؟ هذا ما تكشفه الرسالة الأمريكية التي تلت الاتفاق.. وهي واضحة بأن على الحلفاء أن يدركوا أن الاتفاق مع إيران أصبح حقيقة وعليهم استيعابه وأنه أصبح التزاما قانونيا يقابله تطمينات بالتزام الولايات المتحدة بالاتفاق الأمني مع حلفائها، وأن عليهم استيعاب تداعيات أجندة البيت الأبيض في المنطقة.
المحطة الأولى لوزير الدفاع كانت لإسرائيل تلتها الأردن –لإحدى القواعد التي تستخدمها أمريكا– ثم كانت محطته الثالثة في السعودية، نتائج الزيارة لإسرائيل لم تأت بجديد ولم تغير من الموقف الإسرائيلي، وقد تكون الفجوة بين واشنطن وحلفائها التاريخيين قد اتسعت.
في حين تعد السعودية الدولة الوحيدة التي اتسم رد فعلها "بضبط النفس" على الانتقاد العلني للاتفاق النووي الإيراني، على النقيض من بعض الدول ومنها إسرائيل التي اعتبرت أن الاتفاق "خطأ تاريخي" وأنه بمثابة إعدام لإسرائيل، بينما السعودية مع أي اتفاق يمنع طهران من امتلاك قنبلة ذرية وأن هناك حاجة إلى عمليات تفتيش صارمة وإمكانية إعادة العقوبات. ما جعل المسؤولين الأمريكيين يصفون موقف السعودية بأنه "تقييم مفاجئ لهم" وأنه أكثر دبلوماسية وواقعية.
من يحاول أن ينفي أن الأهداف من الزيارة لا ترمي إلى حمل أجندة البيت الأبيض الجديدة في المنطقة فهو يصادم التاريخ والحقائق والوقائع، ففكرة الصراع ما زالت وستظل في ظل مصالح تتغير فيها أشكال الصراع، خصوصاً أن منطقة الشرق الأوسط تصنف على أنها أكبر منطقة مشتعلة في العالم بسبب ثرواتها، وهو ما يفسر أنها لا تحتاج إلى استدعاء جهد نحو إشعالها فتاريخها مليء بالحروب ومأزوم بمنازعات طوائفه المتفرقة.
هنا يثور التساؤل.. هل دخلت المنطقة في مرحلة حسم الملفات المعقدة؟ وهل ستشهد قادم الأيام تحولات في الخريطة السياسية وتحالفاتها؟
إن دخول تركيا العلني في الحرب ضد "داعش" والأكراد وقيامها بغارات جوية –لأول مرة– داخل سورية وإعلان سماحها باستخدام أمريكا لقاعدة إنجرليك التركية بعد الاتفاق النووي يجيب عن كثير من التساؤلات .. فقبل الاتفاق النووي كانت تركيا قد اختلفت مع الأمريكيين في الانضمام إلى التحالف واستخدام أراضيها ما لم يتحقق لها شرطان: هما إسقاط نظام الأسد دون تفاوض، والسماح لها بالسيطرة على شريط حدودي مع سورية وذلك لمنع أي تجمع كردي. فهل تنازلت تركيا عن شرطيها أو أحدهما؟ أم أنها حصلت على ضوء أخضر؟ وفي واقع الحال فمن الواضح أن تركيا أعادت حساباتها وهي تدرك أن الوضعين الإقليمي والدولي يمران بمرحلة حاسمة لا يقبل منها المجازفة، وهي لن تقبل أن تخرج من تداعيات الاتفاق النووي دون مكتسبات.
وبين اتفاق يكشف تحولا سياسياً في المنطقة وبين تحالف تاريخي يحمل في طياته مخاوف من قلق قادم ومستقبل قد لا يقوى على التحكم بشروطه. فالأمر يحتاج إلى إعادة قراءة لكل التحولات السياسية فالبيت الأبيض لا يعترف بحليف دائم وما تشهده المنطقة من تحول شبه جذري في السياسة الأمريكية في المنطقة بدأ منذ بداية الربيع العربي.
الصراع في الألفية الثالثة يختلف عن سلفه.. فالمؤشرات تذهب إلى أننا على عتبة مرحلة جديدة تجعلنا أمام مواجهة أكبر تحول في المنطقة؟
إننا أمام تحد يجب أن نصنع منه مشروعا تاريخيا، ينطلق من البناء والتصنيع الثقيل والرعاية الاجتماعية، مشروعا حقوقيا لمنظومة عدلية. نحن بين طبيعة حياة كانت تحمل نسائم السعادة وبين عتمة رؤى سنوات قادمة، ترحل الأزمنة ويحل محلها زمن جديد، ونظل قادرين على أن نصنعه بقراءة جديدة ودقيقة لواقع وظروف الحال وأن نكتشف المسارات لنتجاوز العقبات والإخفاقات ونرسم ملامح مستقبلنا بطريقتنا وعبر أدواتنا نحو فهم واستيعاب المعادلة لنكون قادرين على حماية أنفسنا.
مشروع الدولة يقوم دائما على شعبها واقتصادها ومؤسساتها الحقوقية والعدلية وأنظمتها فهي الأقدر على التعاطي مع تداعيات الاتفاق.