هبوط النفط .. وحياة المستهلك

نناقش اليوم آثار العجز الحاصل في الموازنة السعودية على حياة المستهلك وبعض القطاعات بشكل منفرد. في سلسلة من التغريدات التي أطلقتها من يومين تحت هاشتاق #عجز_الميزانية، تساءلت عما لو كان العجز سيؤثر على مؤسسات القطاع الخاص. الإجابة المباشرة المختصرة هي "نعم". ثمة عوامل أولها ارتباط أغلب مؤسسات القطاع الخاص بالدولة من حيث الطلبيات والمدفوعات. ثانيا من الطبيعي أن تلجأ الدولة لإصدار سندات (دين داخلي) وهو ما حدث بالفعل والمصارف لن تتردد في إقراض الدولة حتى بعوائد ((غير متواضعة))، وذلك لخفض مستوى المخاطر في قوائمها المالية Risk Reduction مقارنة بالأصول. هذا الأمر قد يحد من قدرة (أو رغبة) المصارف في إقراض القطاع الخاص ناهيك عن الأفراد وبالتالي تشح السيولة الممنوحة ويتراجع الاستهلاك المحلي نوعا ما.
اقتصاديا يحدث تراجع النمو recession عندما يكون الناتج المحلي الإجمالي سالبا لمدة ربعين متتاليين، ويعرف عجز الميزانية بأنه تجاوز الإنفاق الحكومي للإيرادات وعادة ما يختص بموازنة الدولة وليس القطاع الخاص. لكن بسبب معامل الارتباط المرتفع بين القطاعين الخاص والحكومي فإن مخاطر عجز الميزانية سيتم "تمريرها" إلى قطاع مؤسسات الخاص وبالذات في قطاعات مثل الإنشاء والتعمير ومواد البناء والتطوير العقاري وما شابه. بالطبع هناك قطاعات لا تعتمد في طبيعتها على الإنفاق الحكومي لكنها إما تستمد دعما مباشرة من الدولة مثل الطاقة والكهرباء والمياه أو أن القطاع الحكومي بمؤسساته هو أكبر عملائها (وهذا ينطبق أكثر على القطاعات). هناك في المقابل قطاعات أكثر استقلالا مثل التجزئة والترفيه والسياحة والتأمين والمشاريع الرائدة والتجارة الإلكترونية إلا أن حجمها بالنسبة للاقتصاد المحلي لا يشكل شيئا يذكر مقارنة بالقطاعات الضخمة الأخرى.
ومن القطاعات الدفاعية defensive التي ربما لا تتأثر بشكل مباشر ودراماتيكي بخفض الإنفاق الحكومي إلا أنها لا تزال تعتمد تجاريا على الدولة كأكبر عملائها مثل قطاع الصحة والدواء والعقاقير والاتصالات وهذه قطاعات لا يمكن الاستغناء عنها حتى في ظروف الكساد والتراجع الاقتصادي.
وهنا نتساءل هل بدأت دورة التصحيح؟ هل تراجع الارتباط بين الدولة والقطاع الخاص هو تحرير صحي للأخير من الاعتماد الشبه كلي على الدولة؟ يجدر الذكر أن الدولة لا تزال تسيطر على سوق العمل من حيث عدد الوظائف ومستوى الرواتب، أما القطاع الخاص فتراوح فيه الأجور بشدة ويغلب عليه العمالة الأجنبية التي تقوم بحوالات سنوية بأكثر من 80 مليار ريال. أما نسبة المواطنة في مؤسسات القطاع الخاص وإن كانت في نمو إلا أنها في طور ناشئ جدا ما زال بعيدا عن إيجاد طبقة متوسطة مستقلة ماليا واقتصاديا.
وفي هذا الصدد تعمل وزارة العمل جاهدة على سن القوانين والسياسات الداعمة وهي تخطئ وتصيب إلا أن هناك توجها واضحا نحو تشييد بنية راسخة للقطاع الخاص باستقلالية معقولة.
في النهاية ثمة مقترحات لتحقيق توازن معقول في الخريطة الاقتصادية السعودية:
- توسع قاعدة أنشطة القطاع الخاص من أكثر مما هو متاح اليوم خاصة في قطاعي السياحة والرياضة.
- دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة للنهضة بالشباب.
- خصخصة بعض أذرع المؤسسات الحكومية وبشكل تنافسي بعيد عن الاحتكار.
- البدء الجاد في تشجيع المهن الحرفية لتوطين ذوي المؤهلات الأقل من جامعية.
- إغلاق مؤسسات تعليمية وأقسام جامعات في تخصصات غير مطلوبة بسوق العمل، حيث تشكل عبئا على ميزانية التعليم.
هذه مجرد بعض الأفكار وهناك المزيد والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي