الإرهاب ونحن والآخر

بعد كل حدث إرهابي يذهب ضحيته أبرياء من كل الملل والمذاهب والنِّحل وتكون الجهة التي تقف خلفه منظمة ذات خلفية إسلامية حركية يركز الإعلام الغربي على جدلية الإسلام والإرهاب، وإظهار المسلم بصورة القاتل الذي يحكم على كل من خالفه بالموت. من جهة أخرى، ترد وسائل الإعلام العربية على هذه الحملات محاولة هدم هذه التهمة بالأدلة من تاريخ الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وكيف عامل اليهود والمسيحيين، وكيف أن القرآن يأمر بالتي هي أحسن، وأنه لا إكراه في الدين، وأن الدولة العثمانية كانت ملجأ ليهود أوروبا إبان عهود الاضطهاد التي عاناها اليهود. وتخلص وسائل الإعلام في ردودها إلى أن داعش والقاعدة وكل من لف لفهما لا يمثلون الإسلام والمسلمين. يتكرر هذا بعد كل حادثة وسيستمر في القادم من الأحداث.
لم يكن هم وسائل الإعلام في يوم من الأيام أن تبين الحقائق كما هي، بل ما زال الإعلام يخضع لأجندات سياسية واقتصادية تخدم أهداف من يقف وراءها، فلا الاتهامات التي يسوقها الإعلام العالمي تجاه الإسلام هي نابعة من توضيح الحقيقة لجمهورها، ولا الردود التي يسوقها الإعلام العربي في إبعاد تهمة الإرهاب عن الإسلام تجدي نفعا في تغيير الرأي العام الغربي عن الإسلام، لأنها عبارة عن ردة فعل على فعل مبني على أهداف سياسية متقنة التخطيط تخدم أهدافا محددة لأصحابها، وهذا ليس عيبا في حد ذاته بل هو أمر إيجابي، أما السلبية التي تمارسها وسائل الإعلام العربية في اتخاذ موقع الدفاع هو المعضلة الرئيسة في فهم اللعبة الإعلامية.
نحن دائما نقول إن داعش لا تمثل الإسلام الأصيل، ولكننا نغفل أمرا مهما جدا وهو أن فرضية تمثيل الإسلام ليست واردة في الذهنية الغربية، فالغرب لا ينظر إلى الإسلام على أنه كتلة واحدة، بل ينظر إليه بألوانه الثقافية والاجتماعية والتاريخية، فتجد أن هناك مصطلحات تستخدم في وسائل الإعلام الغربية من قبيل الإسلام المصري والإسلام الإيراني. الغرب ينظر للدين كسائل يتشكل بشكل الوعاء الذي يوضع فيه، وهذا أمر في غاية الأهمية، وهذا له علاقة مباشرة بجدلية تمثيل الجماعات المتطرفة للإسلام من عدمها، فالغرب والحكومات الغربية ليست مهتمة بفلسفة الإسلام- إسلام قبل المذاهب، ولكنها تهتم بانعكاسات الإسلام – إسلام الناس - على أمنها واستقرارها واقتصادها.
ولو أمعنا النظر قليلا لوجدنا أن البناء الفكري للخطاب الغربي لا يقوم على الاعتقاد بتمثيل الجماعات المتطرفة للإسلام، بل يقوم على الاعتقاد بأن هذه الجماعات تعكس فهم هذه الفئة أو تلك للإسلام. إذا هم يقولون ببساطة إن داعش والقاعدة هما صورة لفهم أعضائهما للإسلام، والذي بني على أفكار واجتهادات من سبقهم، فالأجدى لوسائل الإعلام العربية تناول موضوعات الإرهاب من ناحية أنها انعكاس لفهم وليست تمثيلا لدين، لأن الآخر لا يتهم هؤلاء بتمثيل الإسلام، بل يتهمهم بالعصبية الفكرية والاجتماعية والتاريخية التي اعتمدت على انعكاس بعض المفاهيم الإسلامية في أذهان بعض المسلمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي