ما لم يقله نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية
زف مجلس الوزراء في الثامن عشر من شهر صفر لعام 1437هـ نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية معلنا بذلك عن نقلة نوعية ومرحلة جديدة واعدة، وفاتحا بذلك نوافذ الأمل والتفاؤل بمستقبل مشرق ينتظر المجتمع السعودي. وبدلا عن القراءة القانونية لفقرات النظام دعونا نتأمل ما بين السطور وخلف الكلمات ما لم يقله النظام أو ينطق به.
بداية يحدد النظام اسما رسميا للقطاع الذي تباين المتخصصون في تسميته محليا وعالميا مستخدمين في ذلك مسميات كثيرة لا تعكس بالضرورة طبيعة كل أنواع المنظمات الواقعة في المسافة بين القطاع الحكومي والقطاع التجاري كالقطاع التطوعي والقطاع الخيري والقطاع غير الربحي. يأتي النظام بمصطلح (الأهلي) عوضا عن (الخيري) الذي استخدمته اللائحة السابقة للجمعيات والمؤسسات الخيرية 1410هـ، مع مراعاة أن المنظمات الخيرية جزء رئيس وكبير في القطاع الأهلي. كما لم يستخدم النظام مصطلح (غير ربحي) الذي ينتشر استخدامه غربيا، إلا كإحدى صفات المنظمات المشمولة في النظام مستخدما عبارة (غير هادف للربح).
كما يأتي النظام بنكهة التطوير والتفعيل للجهود الأهلية بدلا من نكهة الرقابة فقط، وذلك من خلال توفير بيئة تشريعية آمنة يستطيع المجتمع أفرادا ومنظمات استثمار أوقاتهم وأموالهم وجهودهم لخدمة المجتمع وسد احتياجاته. ومن خلال تأكيد دور الجهات الحكومية المعنية بتنفيذ النظام في التشجيع والتطوير وتنسيق الجهود بين مكونات القطاع والقطاعات الأخرى.
وتشير روح النظام إلى رغبة في مزيد من المشاركة المجتمعية لأفراد ومؤسسات المجتمع في الشأن العام وتحديدا في الجوانب الاجتماعية والتعليمية والصحية والبيئية وغيرها. يأتي ذلك جليا في اعتبار تشجيع التطوع هدفا من أهداف النظام الأساسية، وفي تقليص عدد أفراد المؤسسين للجمعيات الأهلية من 20 كما في اللائحة السابقة إلى عشرة أفراد فقط. وفي توسيع دائرة طبيعة المؤسسين للجمعيات والمؤسسات الأهلية لتشمل إضافة إلى الشخصيات الطبيعية كما في اللائحة السابقة إلى الشخصيات الطبيعية كالأفراد والشخصيات الاعتبارية كالشركات والمؤسسات أيضا.
ويعبر النظام عن مزيد من التقدير للجهود الأهلية المنظمة ويقر بأهميتها، فاتحا المجال فسيحا للقطاع الأهلي ليكون شريكا موثوقا للقطاع الحكومي ومؤازرا له في تحقيق التنمية المستدامة والرفاه الاجتماعي لأفراد المجتمع ومنافسا للقطاع التجاري في الحصول على عقود تقديم الخدمات. وواضعا على عاتق الجهة الحكومية المشرفة على تطبيق النظام مسؤولية تعزيز ثقة المجتمع في القطاع الأهلي ومكوناته.
يتشكل القطاع الأهلي السعودي في مرحلة ما يمكن اعتبارها عملية إعادة بناء الجهاز الحكومي وتقليص حجمه، وكأن المراد أن يتكون في المملكة قطاع أهلي مستقل يشغل مساحة أكبر ويقوم بدور أكثر جدية وحيوية يتكامل مع الجهاز الحكومي حينا ويتبادل الأدوار معه حينا. والتجارب الدولية تثبت أن القطاع الأهلي رافد تنموي قوي ومخلص للجهاز الحكومي إذا ما مكن وتم التعامل معه بمرونة وثقة.
إن إصدار النظام خطوة رائعة، إلا أن الإصدار لا يعني بالضرورة النجاح، إذ يتوقف نجاح النظام في تحقيق أهدافه على أمرين، الأول هو أن يتجاوب المجتمع أفرادا ومؤسسات مع أهداف النظام ومبادئه والمساهمة في تقديم مبادرات مجتمعية راشدة وناضجة، وأن تسعى الجمعيات والمؤسسات المشمولة في النظام في استيعاب متطلباته. والثاني هو أن تستطيع الجهات الحكومية المعنية بتنفيذ النظام تخطي دهاليز البيروقراطية الحكومية لتعكس روح النظام والأدوار الجديدة المتوقعة منها في تقدير لجهود أفراد المجتمع وإجراءات سلسلة وممارسة مهنية ومبادرات فعالة للتطوير والتفعيل.
وفي الختام، لا يسع أحدا أن يتحدث عن نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية دون أن يشكر الله أولا ثم يشكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على دعمه غير المحدود للعمل الأهلي والخيري، ولوزير الشؤون الاجتماعية الدكتور ماجد القصبي الذي تبنى النظام منذ أول أيامه في الوزارة، ولكل أولئك الرجال والنساء الذين أسهموا في صياغة النظام ليخرج بهذه الحلة.