السياسة الاقتصادية لجنوب إفريقيا
مقال اليوم مترجم عن مقال نشرته مجلة "الإيكونوميست" Economist (طبعة 19 ديسمبر 2015) ووجدته جديرا بالقراءة للمهتمين بالرؤى الاقتصادية للدول. ويركز المقال على دولة كانت قوية اقتصاديا لكنها وصلت إلى مستوى متدن نسبيا بسبب ضبابية الرؤية وسوء التنفيذ.
دولة توالى عليها ثلاثة وزراء مالية في أقل من أسبوع: "الأول" تكنوقراطي «الذي يفضل خبراء التقنية في المناصب والمهام» و"الثاني" شغل منصب عمدة لمدينة صغيرة حتى لا يشك في نزاهة التعيين، إلا أن عملة البلاد هبطت بأكثر من 9 في المائة إبان هذا التعيين فتم استبداله في الأسبوع نفسه بالشخص "الثالث" الذي شغل المنصب نفسه من قبل. ولم تحل المشكلة.
منذ تسلم رئيس البلاد مقاليد الرئاسة في عام 2009 كان عجز الميزانية أقل من 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وبعد فترة الدين العام قفز إلى 50 في المائة (من 26 في المائة) وانخفض التصنيف الائتماني للسندات الحكومية إلى مستويات تقارب "الرديئة" أو ما يعرف بالـ Junk Bonds.
ومما يفاقم المشكلة هو أن كثيرا من الصناديق التي تستثمر في السندات الحكومية Sovereing Debt ممنوعة من الاستثمار في السندات الرديئة، وفي حال خفض التصنيف الائتماني مرة أخرى سيهرع المستثمرون لبيع سندات الدولة، ما يعني ارتفاع تكلفة الإقراض وزيادة الأعباء المالية عليها.
هذه الدولة هي جنوب إفريقيا ويترأسها "جاكوب زوما" الرئيس الذي يعيش حالة من التفاؤل الخيالي وتنزلق البلاد برئاسته في منحدر اقتصادي مرعب.
في عام 1994 تولى المجلس الوطني الإفريقي African National Congress سلطة الحكم في البلاد وأسس نهج السوق المفتوحة وتبنى سياسة مالية منضبطة. ورغم أن انتكاسة أسعار السلع Commodities لعبت دورا كبيرا في الإنهاك الاقتصادي للبلاد، إلا أن إدارة السياسة الاقتصادية والمالية كانت المشكلة الحقيقية. كان "زوما" قد بدأ يطمح لكسب أصوات الناخبين بالمبالغة في الإنفاق المتهور من خزانة الدولة، فعلى سبيل المثال ارتفع عدد موظفي القطاع العام بنسبة 25 في المائة في حين انخفضت وظائف القطاع الخاص، وتشكل الرواتب 40 في المائة من الإنفاق الحكومي "متوسط الدول الأخرى هو 25 في المائة)، إضافة إلى انتشار الفساد الإداري من الرشوة والاختلاسات في القطاعات المختلفة وعلى رأسها القطاع الصحي والمناقصات الحكومية وفساد التعليم "تغيب المعلمين رغم صرف رواتبهم" وغيرها من صنوف التسيب الإداري. وخلصت دراسة حديثة إلى أن جنوب إفريقيا حققت المركز الثاني من أسفل القائمة لمتوسط مستوى الرياضيات والعلوم وهو أدنى من بعض الدول الفقيرة.
ولا يخلو نظام الرئيس "زوما" من المحسوبية فحظي ذوو البشرة السمراء بالأفضلية في التمكين الاقتصادي مثل إرساء المناقصات ومنح الحصص في الشركات الخاصة إليهم، الأمر الذي مكن أعضاء الحزب الحاكم من ترسية العقود الحكومية على الأقارب والأهل، وكان من الطبيعي أن تتمتع هذه الفئة بثراء واسع، ما أثر سلبا في استقطاب رؤوس الأموال القادمة من الخارج وسبب تراجع النمو الاقتصادي إلى 1 في المائة وارتفاع معدل بطالة عند 35 في المائة في 2015.
تبعات أخرى:
ارتفاع كبير في معدل الجريمة والرغبة في الهجرة إلى الخارج خاصة أن 9 في المائة من الشعب (من البشرة البيضاء) لهم روابط أسرية في الخارج.
والحقيقة أن دولة ثرية بالموارد الطبيعية والبشرية مثل جنوب إفريقيا تستحق أن تكون ضمن الاقتصادات الناشئة وتستحق حكومة أكثر إخلاصا مما هي عليه في الوقت الحالي. ووفقا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD فإن الرؤية الاقتصادية لجنوب إفريقيا تظل غير واضحة وفي الأرجح أن النشاط الاقتصادي سيظل منخفضا لعامي 2016 و2017.