نواف ومساعد والذكاء العاطفي
في الرياضة تبدو العاطفة الجسر الرابط بين المشجع وفريقه، تؤثر في أحكامه، وتغلف تصرفاته، وتسيطر على انفعالاته وآرائه. قليلون جدا من يخلعون رداء العاطفة في أحاديثهم الرياضية، ويتحولون إلى الموضوعية في نقاشاتهم مع الآخرين بالذات لحظة الحدث.
سيطرة العاطفة على المشهد الرياضي، لها انعكاساتها على كثير من الأحداث، فيشعر المرء الواقع تحت مظلتها بالأفضلية المطلقة عند الانتصار، وبالظلم الصريح عند الخسارة، فتحجب عنه رؤية الحقائق كما هي، ويتحول عند السقوط في دائرة الفشل إلى شخص لا يلقي بالا بالمنهجية العلمية، يبحث عن أسباب قد لا تكون واقعية يتعلق بها رغبة في إيجاد مبررات تسلي الذات العاطفية ورفضها تصديق الواقع.
بخلاف الابتعاد عن العلم ومنهجياته الدقيقة، يتحول الرجل العاطفي في الرياضة غالبا، إلى البحث عن ضحية، ضحية يلقي عليها تبعات الفشل، ففي دواخله مشاعر جياشة ترفض الاعتراف به، وتريد تعليقه على أسباب لا تخصه بالدرجة الأولى، وأحيانا تتحول إلى ما يشبه تقريع الذات، فتهز كثيرا من المكتسبات الحقيقية، في طريقها نحو البحث عن ضحية.
.. في كرة القدم، يبقى المدرب هو الضحية الدائمة لأي نتيجة سلبية، يليه حكم المباراة، ثم بعض اللاعبين غير الجماهيريين تحديدا، وغالبا تتسم الضحايا لدى المشجع العاطفي بصفات أهمها أنه من نوع "لا بواكي لهم"، أو من قائمة الأعداء الوهميين.
على سبيل المثال، فريق يقوده مدرب محترف جدا في عمله، يرسم طريقته بشكل واضح ودقيق، يخطئ لاعب ما خطأ فرديا يهد جهدا بنته المجموعة كلها بمن فيهم المدرب، فيتحول الأخير لضحية، وتبدأ العواطف في إرسال سيل من الانتقادات المدفوعة بكل شيء إلا الأحكام المنطقية العقلانية. الأمر ذاته، ينطبق على حكم مباراة يقودها بكل اقتدار، ولكن نتيجة المباراة لا تلقى قبولا لدى العاطفيين فيبدأون في صياغة التهم الكاذبة، لمَ لا؟ أليس ضحية لا بواكي عليه؟
.. يعتقد علماء النفس، أن معرفة المرء لحالته الحقيقة المتأثرة بالعواطف من أصعب ما يمر به، ويؤكدون: لا يمكن لإي إنسان أن يحدد بدقة في اللحظة ذاتها هل صدرت أحكامه مدفوعة بحالة من مشاعر الحب، الغضب، الكراهية أم لا؟ ويستطيع أن يفعل الأمر بدقة بعد مضي فترة على الحدث محل البحث.
ويدعو العلماء أنفسهم، إلى محاولة معرفة الإنسان لمشاعره، حتى يحدد سلوكه المناسب تجاه القضية المنظورة، وإذا ما فشل في ذلك أو تجاهله، فإن أي سلوك يصدر عنه، لا يمكن أخذه على محمل الجد إطلاقا.
.. وفي حقبة لاحقة، ظهر ما يعرف بالذكاء العاطفي، وغالبا يخضع القادة تحديدا لدروات تأهيلية تستهدف بناءه في شخصياتهم، للاستفادة منها في قيادة المجاميع العاطفية، ومن أصعب الأمور قيادة العاطفي أو احتواؤه بالعقلانية والمنهحية العلمية.
.. الذكاء العاطفي ينقسم إلى قسمين، ذكاء عاطفي يتعلق بالقائد ذاته، يستخدمه في مخاطبة الآخرين، وذكاء عاطفي يرتبط بالآخرين، يشترط فيه أن يفهم القائد رغبات المحيطين والمريدين والمناوئين وسلوكهم، فيرسم خطابه ويحدد خطواته وفقا لهذا الفهم بغية الوصول للنتيجة المطلوبة.
.. هذه الأيام، ونحن في آخر مراحل الموسم، تبدو الأمور واضحة، اللقب الكبير لن يخرج عن الأهلي والهلال، وهذه المرحلة أشد مراحل المنافسة شراسة وقوة وصعوبة، سيرضخ مدبرو الأمور في الناديين الكبيرين لصغوط نفسية كبيرة من أنصارهما، ضغوط مدفوعة بالعاطفة. مشجعون سيوجهون كلمات عاطفية قاسية للاعبي الفريقين ومدربيهما، آخرون سيبحثون عن ضحايا يعلقون عليهم عدم رضاهم، بافتعال قصص صغيرة، وآخرون سيبدأون في جلد الذات، وأفضل ما يمكن أن يفعله نواف بن سعد ومساعد الزويهري رئيسا النادي تحديدا، السيطرة على مشاعرهما والتحلي بالذكاء العاطفي لإدارة نادييهما في هذا الدرب الشائك والخطر، وألا يصدقا كل ما يقال، ولا يسيران في درب الباحثين عن ضحية.