الأهلي والهلال .. الانتظار القاتل
يقول محمد درويش في واحدة من أجمل قصائده، يصف حاله ذات انتظار: "في الانتظار يصيبني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة" ويبدأ بعدها برصد الاحتمالات في الانتظار مبتدئا بالسيئ منها، ويبنيها على أسباب تافهة، من النسيان أو الخطأ أو ظهور مفاجأة قديمة تمنع حبيبته من الوفاء بالحضور في الموعد المحدد، حتى يختم بقوله:
وربما ماتت .. فإن الموت يعشق فجأة، مثلي ..
وإن الموت، مثلي .. لا يحب الانتظار..!.
.. فجأة يجد لها عذرا لا تستطيع أمامه فعل شيء، بعد سلسلة من الأعذار الممكنة. وصف درويش للانتظار وهو يرصد بهوس كل الاحتمالات، تماما ما يشعر به مشجعو الهلال والأهلي منذ أسبوع، وحتى موعد الليلة، موعد ينتظره الأهلاويون منذ 32 عاما، منذ رفع المرحوم أحمد الصغير آخر لقب أخضر تحت مسمى الدوري السعودي الممتاز، وحال الهلاليين أيضا الذين يغيب لقب الدوري عن مسرح بطولاتهم منذ أربعة أعوام، وهي فترة طويلة لفريق مثل الهلال، يرحم كأسا ولا ينزلها إلا وهو يرفع أخرى، ولا يرضى بإضافة عام خامس.
.. الانتظار هو أقسى لحظة تمر بها النفس البشرية، تبدأ الاحتمالات السوداء في مهاجمة المرء، ماذا لو؟ وكيف لو؟، وهل يمكن؟ وقد يكون .. وكلها تتلى بشيء من الوساوس ووحوش من الخوف تهاجم، تنهش في الذهنية فتتركها مجهدة متعبة لا تستطيع الأجساد معها القيام بشيء غير الانتظار.
.. في علم النفس، يقولون اقتل الانتظار بالتفاؤل والعمل ولا تقع أسيرا له، وهذا ما يجب أن يفعله أنصار الأهلي والهلال وقبلهما لاعبو الفريقين وإدارتاهما، مباراة عاصفة تنتظر الجميع، لا تقبل الانتظار لمن أراد اللقب في حوزته.
الأهلاويون قدموا هذا العام أفضل فريق أخضر عرفته الملاعب السعودية منذ 30 عاما، فريق مكتمل الصفوف، لديه أفضل رباعي أجنبي في الدوري، وأكثر من عنصر محلي لا ند لهم في صفوف الآخرين، وآن لهذا الأخضر أن يقطع سنوات العزلة بينه واللقب السعودي الكبير، آن له أن يصعد منصة البطل ويقول أنا البطل، وإن لم يفعلها الليلة ستموت أغصانه الخضراء يباسا في سنوات عزلة جديدة.
الهلاليون قدموا هذا الموسم فريقا ليس الأفضل بين هلالات العشرين عاما الماضية، ولكنه هلال يحتفظ بأهم صفات الهلال منذ وعينا عليه، وهي التحدي، سلاح الأزرق الدائم في مواجهة خصومه، يبقى الهلال دائما مرتفعا حتى إن لم يكن الأفضل لأنه فريق معجون بالتحدي والمغامرة، فريق يأخذ لاعبوه لقاحا ضد المستحيل، بمجرد ارتداء اللون الأزرق.
اليوم .. لا بد أن يقول الأهلاويون والهلاليون على السواء، نستطيع .. نستطيع، ولذلك سنكون أمام معركة كروية عاصفة، لا مكان فيها للضعفاء، لا مكان فيها للتثاؤب ولا للأمنيات الكسولة، مباراة تريد رجالا يحرثون المعشب الأخضر، يقاتلون من الثانية الأولى وحتى الأخيرة، مباراة تحتاج إلى رجال يريدون أن يكتبوا تاريخا رياضيا كبيرا يتناقله خلفاؤهم مع كل نصر وعند كل خسارة.
اليوم، موعد للأهلي مع التاريخ قبل اللقب، وموعد دائم للهلال مع اللقب والتاريخ، اليوم أهم مباراة يلعبها الأهلي منذ لقائه الشباب في ختام دوري 2012، ولقاء متجدد دائم للأزرق مع كل البطولات، اليوم يستطيع الأهلي تمزيق كل دفاتر النكت والطرفات والسخريات التي طاردته طوال ثلاثين عاما، واليوم يستطيع الهلاليون أن يقولوا بوضوح: لا أماني للآخرين في حضرة الهلال.