.. وانتهت المغامرة المجنونة

قابلت فيصل بن تركي للمرة الأولى وجها لوجه، في دبي أثناء وجود فريقه النصر لمواجهة الوصل في مباراة زعبيل الشهيرة، الحقيقة أنني خرجت من لقاء مدته نصف ساعة دون أن يترك الرجل شيئا إيجابيا في نفسي تجاهه، وكذلك كانت آرائي في أول ثلاث سنوات من إدارته (الأولى بالتكليف وسنتان ولاية)، مارس فيها أخطاء شنيعة في تقديم نفسه للوسط الرياضي، أخطاء في الحضور الإعلامي غير مرة، وربما مثلها في كواليس ناديه.
.. لم يكن أحد راضيا عما يقدمه فيصل في تلك السنوات الثلاث، الجمهور، اللاعبون، الشرفيون، الإعلام، وربما حتى أُسرته، المنعطف في تاريخ فيصل والنصر هو الاجتماع الذي دُعي إليه في منزل الأمير طلال بن بدر عضو شرف النادي، وفيه، قيل له بوضوح: "أنت تسير في الطريق الخطأ، تتخذ قرارات غريبة، تختار أشخاصا غير جيدين، لا تستشيرنا، وتطلب منا أن ندعم"، وتابع المتحدث: أمامك خياران، إما أن تتولى المهمة وحدك بكل تفاصيلها ماليا وإداريا، وإما أن تتنحى حالا"، في الاجتماع ذاته, كانت الحالة النفسية لفيصل سيئة للغاية، تحاصره الأصوات المستهجنة، تهاجمه رغبات وطموحات صعبة، والمنافسون ينهشون في جسد الأصفر الميت دماغيا من كل ناحية، رد العاشق المغرم المحاصر بالرغبات والأماني والواقع المر على الخيارين مختارا: "سأتولى كل شيء.. كل شيء"، قرار أشبه بالمغامرة المجنونة، قرار مفصلي وضعه في فوهة المدفع، إما أن يكون وإما يطمسه التاريخ، ومن يتتبع مسيرة رئيس النصر الحالي، يعرف أن جل قراراته لم تخل من مغامرات مجنونة، رفعه بعض إلى الأعلى وهوى به البعض الآخر إلى الأرض, والجنون جزء منه إبداع وآخر مقامرة.
.. كان رده حينها، جزء من الجنون الذي رافقه طوال مسيرته في الأصفر الكبير، قرار أشعره بالمسؤولية والتحدي، وجرده من اللامبالاة والدعة، مر بمنعطفات صعبة، تحاصره المشكلات وتضيق الخناق عليه حتى تقول لن يفلت هذه المرة، سيقع لا محالة، وبين إرماشة عين وأخرى تجده في المقدمة، حتى تقول من جديد إنه لن يهزم بعد هذه المرة، فيفاجئك بجنون جديد يقوض كل ما سبق.
.. في موسم عودة النصر إلى عليائه، كان فيصل يسير بالنصر وحيدا كما قرر، وعندما توج بلقب الكأس، انضم له ما عرف اصطلاحا بـ"النصراويين الجدد"، مجموعة من عشاق الأصفر الشباب الداعمين التفوا حول الرئيس المغامر أسهموا لا شك في دفع نصرهم للوصول إلى القمة الكبرى، وسار الأصفر في الطريق الصحيح، دون أن يتخلى الرئيس الجامح أيضا عن حالات المغامرة المجنونة فوقع في بعض الأخطاء، بعضها يتحمله بالكامل وبعضها الآخر دفع ثمنها وليس هو سببها.
قبل مرحلة فيصل، كان النصراويون يرتمون في أحضان المنافسين، عندما تتقاطع الأهداف، يتفاخرون بما لم يفعلوه، وفي عهد ابن تركي وضع النصراويون رؤوسهم برؤس كل المنافسين، وهذا جزء من التحدي الذي يسكنه ويشعله، قبل عهد فيصل كان النصر أشبه بقبيلة قتل فرسانها في الحرب وتكتفي بتشييع قوافل المنتصرين والمهزومين.
..إذا ما ربطنا الأحداث بالوقائع والتاريخ, وقرأنا المشهد بموضوعية، أصنف فيصل بن تركي واحدا من أفضل ثلاثة رؤساء أندية سعودية في العشرين سنة الأخيرة، أما لماذا؟ فإعادة فريق للبطولات والواجهة بعد كل سنوات الغياب الطويلة وبناء أرضية حقيقية للإنجاز، لا يمكن مقارنته بتحقيق بطولات مع فريق ممتلئ بالمكتسبات الآنية والأدوات الحاضرة الفاعلة والبطولات المستمرة.
.. من إيجابيات فيصل بن تركي أنه لم يستفد ريالا في جيبه من النصر، ربما لأن عينه ممتلئة، ومن سلبياته أنه أسوأ مدير مالي في العالم، من إيجابيات فيصل الرئيس أن الأصفر عنده في المرتبة الأولى أمام أي شيء وكل شيء، ومن سلبياته أن قلبه يغلب عقله في كثير من المواقف، من إيجابيات فيصل التحدي والشجاعة والمغامرة، ومن سلبياته المغامرة أيضا والاستعجال، كان شعاره الدائم "قدام.. قدام"، والمعارك كر وفر.
.. البارحة الأولى، ودع ابن تركي نصره، حتى في وداعه كانت مغامراته المجنونة حاضرة، لوح مودعا والرَكّب ينيخ مطاياه في حضرة العرس الكبير، يا لهذا الرجل، يجمع من الإيجابيات والمتناقضات ما تنوء به الصحف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي