الوحش يحاصرنا..

في ظني أن كرة القدم السعودية، لم تطور أنظمتها الإدارية مع إعلان نظام الاحتراف في عام 1994، وظلت تُقاد بأنظمة إدارية قديمة لا تتوافق والقفزة الهائلة في ذراعها الفنية، ما أحدث تباعدا واضحا بينهما نبتت على جوانبه كثير من المشاكل التي ظلت تنمو وتنمو حتى كبرت كالوحش الذي سيبتلع الجميع.
على سبيل المثال، لم تفعل المؤسسة الرياضية دور الجمعيات العمومية في الأندية، فانفرد الرؤساء ومجالس إداراتهم بالقرار، منعزلين عن أي رقابة تشريعية، وحدث الخلل، لم يكن هناك دور حقيقي لهذا المكوّن في الأندية، ولم تملك الجمعيات العمومية حق تمرير مشروع ما، تريده الإدارة، أو رفضه، فتحول الوضع كما يشبه الإقطاعيات التي يحكمها النفوذ والوجاهة، لا القانون، وأصبحت القاعدة الإدارية المالية السائدة: "عش يومك وخلِّ بكرة لبكرة"، وهي قاعدة "تودي في ستين داهية".
.. في أغلب الوزارات، لا يستطيع الوزير صرف أكثر من مليوني ريال مثلا، إلا بموافقة وزارة المالية، بينما في الأندية السقف مفتوح، والمعاملات المالية تسجل على الدفتر، والدفتر لا تنتهي صفحاته حتى أفقنا على واقع أسود في كل الأندية.
.. كل ما يحدث في الأندية السعودية حاليا من تفجر في الديون سببه أن الجمعيات العمومية معطلة، ولم تقم بدورها في قرع الجرس، فاستمر النائم في غفوته، وتخيلوا المشهد لو كان كالتالي: أي صفقة تتجاوز دخل النادي، لا بد أن تمر عبر موافقة ثلثي أعضاء الجمعية ما لم يقدم ممولها ضمانات مصرفية حقيقية، وتخيلوا لو أن أي قرار استراتيجي بعيد المدى يؤثر في مستقبل النادي ويتعدى ولاية أي إدارة لا بد أن يحظى بموافقة ثلثي الجمعية، هل حال الأندية سيكون كذلك؟ لا ألوم رؤساء الأندية السعودية وحدهم في تضخم الديون، فالجميع يتشاركون المسؤولية، والحل يكمن في برنامج مرحلي متاح للجميع يقلص من الديون حتى العودة للنقطة صفر.
.. أنظر بإعجاب للخطوات التي سنتها الهيئة العامة للرياضة، وهي أول محاولة حقيقية لتحويط الوحش وقتله قبل أن يبتلع كرة القدم السعودية، ولكنها لن تلقى نجاحا ما لم تتدرج في التطبيق، وتستوعب أن الحل لن يكون بفرض العقوبات مباشرة بل بتدرجها، وتخفض مصاريف الأندية التشغيلية كالرواتب بما يتوازى والدخل.
كل من ينتمي للحركة الرياضية في البلاد شريك فيما حدث، رئيس النادي الذي بحث عن وهج وقتي دون إحساس بمسؤوليته تجاه مستقبل ناديه بعده، شرفي النادي الذي لم يرفع صوته محتجا إلا بعد فوات الأوان، أي مسؤول في المؤسسة الرياضية لم يحم الأندية من مدمني الأضواء الكاذبة، المشجع الذي بُحت حنجرته ترديدا لأسم مسؤول اشترى المكاسب بالدين، الكاتب الذي لم يكتب عن القضية إلا بعد أن وقعت الفأس في الرأس وصاحب المقال أولهم، كلنا نشترك في هذه المشكلة الكبيرة وكلنا يجب أن نتفهم المرحلة الجديدة ونسعى للمساهمة في حلها. كلنا افتقدنا بُعد الرؤية وقراءة المستقبل وظللنا نحتفل بالمظاهر الوقتية، دون أن نتنبأ بالوحش الذي ينمو وسيلتهمنا جميعا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي