مروق إيران .. وتحويل المقدس إلى مدنس

إن النظام الإيراني لم يكف منذ سرقة الخميني للسلطة عام 1979 عن تحدي السلم العالمي بطغيانه المذهبي الهجين بين بابوية ولاية الفقيه وهوس حلم إمبراطورية فارس المجوسية. تحت شعار تهجير الثورة فهو على مدى 37 عاما كرس عقده التاريخية في تأزيم المنطقة والتدخل في شؤونها في لبنان وسورية والعراق واليمن والبحرين، وزرع خلاياه الشيطانية فيها وطال بها دولا أخرى في العالم سواء في أمريكا اللاتينية أو إفريقيا.. ناهيك عن إرغام شعوب إيران لترزح تحت نير كوابيسه الأمنية واضطهادها في محشر رعب وذل وفاقة.
بينما ينعم الملالي بخمس ثروات الناس وبثروات الوطن وتوجيه جلها لتكديس ترسانة السلاح وتصنيعه رغم كل العقوبات والقرارات الدولية والأممية التي أبرمت ضد هذه الدولة المارقة.
هذا وضع شاذ، ومع ذلك فقد هرول الغرب عبر دبلوماسية نفاقه البراجماتي.. وراح لأسباب انتهازية، لا علاقة لها بكل معزوفاته عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان يداهن هذه الدولة المارقة ـــ ولا نقول يروضها ــ ويناور لكي ينزع عنها سلاحها النووي في ماراثون مباحثاته المسرحية التي عرفت بـ "ملف إيران النووي" وما أن تم توقيع الاتفاق حتى تسابقت دول الغرب لعقد الصفقات معها.. وكأنها فجأة أصبحت فردوس الديمقراطية!
هذا النفاق الانتهازي الغربي كان بالنسبة لولاية الفقيه ضوءا أخضر برسم غض النظر عن الأفعال الإيرانية الشنيعة والأقوال الوقحة حيث كان الغرب يقابلها فقط بدبلوماسية التهريج بالشجب والتلويح بالعقوبات كلما أطلقت إيران صواريخ باليستية أو تدخلت تدخلا سافرا صارخا بجحافل ميليشيات الحرس الثوري في العراق وسورية واليمن أو هرّبت السلاح أو صرح مسؤولوها بوضع أيديهم على تلك العواصم العربية التي أسقمتها مدافع قاسم سليماني و«حزب الله» اللبناني العميل وأمثاله.
هذا المروق الإيراني جاوز حده في الاعتداء الغاشم على سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد.. وحين واجهت السعودية هذا الصلف بقطع العلاقات الدبلوماسية معها جن جنون الولي الفقيه. فقد مثل هذا القرار للبابوية الإيرانية صفعة مدوية وشهادة تشهير دولية بسوء سلوك بلغت فيه ولاية الفقيه الدرك الأسفل من اللؤم والاستهتار.
حاولت إيران إزاء ما قوبل به فعلها الشنيع من شجب الالتفاف على تداعياته بالتلاعب بالتبريرات والأعذار والمزاعم باللادور للحكومة فيما حدث، غير أن السعودية أدارت لبجاحة هذه المغالطات ظهرها بجسارة وإصرار على الاعتذار. فقد بدا واضحا أن هذا المروق الإيراني، أساس في سياسة الولي الفقيه منذ أوائل الثمانينيات في القرن الماضي فهو يصر على تدنيس المقدس حيث شحنت الحكومة الإيرانية حقائب حجيجها بالمتفجرات ودفعتهم إلى إثارة الفوضى والعنف والتخريب في أثناء شعائر الحج وفي مواكبه وهي لهذا العام، إنما افتعلت هذه المسرحية القذرة أيضا لأن النية كما هي مبيتة عن سابق تصميم وقصد لزرع البلبلة والعنف بين حجاج بيت الله الحرام وتحويل المقدس إلى مدنس بالشعارات الطائفية والشحناء السياسية.
إن محاولة حكومة الملالي استغلال شعيرة الحج لتدنيس المقدس تستهدف من ناحية: إحراج السعودية، والاحتيال لإرغامها على قبول إعادة العلاقات الدبلوماسية أو جزئية منها لكي توحي للعالم بأنها أجبرت السعودية على الرضوخ لرغبتها دون أن تضطر لتقديم أي تنازلات كما تستهدف من ناحية أخرى، تضليل الشعب الإيراني والإيحاء له بأن السعودية تستثنيه من بين الشعوب المسلمة الأخرى بمنعه من الحج لإيغار صدره وشحنه بالكراهية للسعودية وأهلها ولتجعل من شعبها تحت إيقاعات زيف طبلها وزمرها الإعلامي يشعرون بأنهم ضحايا ساعية من وراء ذلك خدمة مخططاتها القذرة في تأجيج العداوة والبغضاء وليسهل دفعهم إلى السير في ركاب الحقد البابوي الصفوي.
لم تكن السعودية في وارد أن تجعل من شعيرة الحج وموسمه مجالا للمضاربة عليه سياسيا، فهو أسمى من أن يكون محلا لذلك.. بل سعت، لقطع الطريق على نيّات إيران الخبيثة، إلى تيسير كل الإمكانات الممكنة لكي يحصل حجاج إيران على تأشيراتهم وعلى سفرهم لأداء مناسك الحج والعمرة بالإجراءات التي أعلن عنها وزير الخارجية السعودي، وقد تظاهر الوفد الإيراني بالموافقة على ذلك أثناء المباحثات، لكنه برعونته، وبتوجيه مبيت من البابا الفقيه في إيران غادر المملكة دون أن يوقع الاتفاق.
سمع العالم وشاهد تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وهو يشرح ما حدث وصار.. وسمع العالم وشاهد موقف السعودية الصارم بعدم تسييس الحج وحرصها على عدم تعريضه لما يعكر صفوه أو يخل بأمن الحجيج وسلامتهم.
لقد سجلت السعودية أمام العالم موقفا مشرفا.. ضاربة المثل على أن إيران لا تبدو قادرة على تجاوز إدمانها المروق على كل المواثيق والأعراف الدولية والأممية.. وأن أجندتها السياسية لا تتورع قط عن تدنيس حتى المقدس ببجاحة الكهنوت البابوي الصفوي الجامع شذوذ عقلية القرون الوسطى وخرافة الإمامية المعصومة.. وهي على ما يبدو ليست في سبيل الشفاء من هذه الحالة، يشجعها على ذلك أنها ترى الضاربين على دفوف حقوق الإنسان من سادة أمريكا وأوروبا يبدلون كلماتهم أكثر مما يبدلون ملابسهم.. إزاء مروقها ولا تفهم هذا إلا على أن أقوالهم مجرد عيار لا يصيب ولا يدوش.. ما يجعلها تمعن بالمروق.. وهو إمعان ترنحت تحت وباله قوى عظمى.. وحتما ليست حكومة ولاية الفقيه استثناء!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي