ارحموا .. المسؤولية الاجتماعية «منكم»
أشعر بمرارة كبيرة بعد أكثر من 12 عاما قضيتها في نشر مفهوم واستخدامات المسؤولية الاجتماعية للشركات كلما قرأت هنا أو هناك تعليقات منسوبة لأشخاص أو مسؤولين أو عاملين في شركات كبرى وهم يمارسون خلطا عجيبا في محاولة تكييف مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات وربطه بالإسلام كمرتكز للانطلاق في أعمال الشركات.
هذه الأيام الروحانية من شهر رمضان الكريم تنشط تصريحات وتعليقات تربط بين أوجه إنفاق الزكاة والمسؤولية الاجتماعية للشركات، بل إن جهات حكومية وشبه حكومية تتبنى في ندوات مثل هذا الطرح الذي لا ينسجم إطلاقا لا مع تعريف "الزكاة الشرعية ومستحقيها" من جهة، ولا مع تعريف "المسؤولية الاجتماعية للشركات وأدواتها" من جهة أخرى!
إن محاولة تأصيل هذه المسألة واعتبارها أمرا جديرا بالنقاش من خلال إدخال صفة الزكاة الشرعية وتجاهل شروطها لمجرد القفز على حبال المسؤولية الاجتماعية للشركات وتبني خطاب ضاغط بما للقيمة الإسلامية من أهمية وتأثير في حياتنا اليومية، هي مسألة باتت تحتاج إلى وقفة صادقة من مختصي الاستدامة وتفكيك مثل هذا الطرح بتوضيح أن هذا الطريق هو طريق مسدود لا يحقق لبرامج الشركات استدامتها ولا ينعكس على رفاهية المجتمع بشكل أساس، بل إن الأمر قد يفتح للشركات بابا للفساد والتهرب من دفع الزكاة لمصلحة الزكاة والدخل تحت ذريعة "صرفها في برامج مسؤولية اجتماعية"!
وهناك من يتحدث أن الشركات في أوروبا تدفع أضعاف ما يدفع في الزكاة الشرعية المقررة بـ 2.5 في المائة، إلا أن هذا الطرح يفتقد الدقة كونه لا يتحدث أن ما تخصصه بعض الشركات في الخارج من نسب مئوية من دخلها هو في الأساس يخضع لقوانين الاستدامة المتعلقة بالحوكمة والشفافية في اتخاذ القرار وإدراج تلك البرامج في أنشطة تلك الشركات، وليس كما يريد البعض هنا من أن ينقل حوار المسؤولية الاجتماعية للشركات من المربع "الاقتصادي" إلى المربع "الخيري" ما يعني انحرافا كبيرا في مسار المسؤولية الاجتماعية للشركات أضعف من حماس الشركات الرائدة في هذا المجال بشكل احترافي وإداري دقيق، وحول المسألة لسوق رائجة لبضاعة العلاقات العامة تحت قبعة "الاستدامة" مع الأسف الشديد!
بالتأكيد أتفق مع تلك الأصوات التي تتحدث عن أرباح مليارية للشركات في السوق السعودية، لكني أرى أن الضغط على تلك الشركات الكبيرة ليس باستدرار عطفها بارتداء "المعطف الديني" بل يجب أن نرتقي بديننا الحنيف وأركانه عن ذلك الخطاب، ونسعى لفهم أدبيات المسؤولية الاجتماعية للشركات في العالم، والعمل على تأسيس مؤسسات مجتمع مدني قادرة على تفعيل محفزات التأثير، وصناعة رأي عام واضح لأصحاب المصالح المرتبطين بتلك الشركات بالشكل الذي يجعلها تحترم عملاءها ومستهلكي خدماتها والنظر لهم باعتبارهم الوقود الحقيقي لاستمرارهم كشركات فاعلة في المشهد الاقتصادي، بدلا من تأسيس خطاب إعلامي ضعيف يعتمد على استدرار عطف الشركات، بل مزاحمة المجتمع كله لمستحقي الزكاة المنصوص عليهم شرعا في حق خالص لهم وحدهم.