التغريدة الانتحارية
في أي عمل هناك مسؤوليتان، واحدة عامة وأخرى خاصة، والأولى دائما مقدمة على الثانية، متى ما كان العمل معنية نتائجه بمجموعات كبيرة من الناس كالمجتمع الرياضي على سبيل المثال.
.. أي عضو في الاتحاد السعودي لكرة القدم مثلا، مطالب بتقديم مسؤولياته العامة تجاه الحركة الرياضية، على مسؤولياته الخاصة، وإذا تعارضت الطرق فالأولى أهم من الثانية كونه ممثل الناس في مقعده ويحمل أمانة الكلمة ومستأمن على المستقبل، وحري به الحرص في كل ما يفعله حتى لا يؤثر في المنظومة كلها، رغم أن تحديد المسؤوليتين قد يتداخل أحيانا عند المتلقي فيفصل بينهما بحسب رغباته وميوله.
.. وفي حالة الدكتور الفاضل عبد اللطيف بخاري الأستاذ الأكاديمي وعضو اتحاد الكرة، كيف يمكن لنا أن نحدد ما دعاه لكتابة تغريدته القنبلة، هل كتبها مدفوعا بمسؤوليته العامة تجاه كرة القدم السعودية بصفته عضوا في أول مجلس إدارة منتخب؟ أم دفعته رغبات داخلية لكتابة ما كتب؟
القطع بواحدة من الإجابتين، يحتمل الصح والخطأ، ولا يمكن الجزم إطلاقا، ولكن هناك مؤشرات يمكن الاستناد إليها في التحليل. إذا كان الدكتور بخاري يبحث عن الحفاظ على الشأن العام، كما يتضح من العبارة الأخيرة في تغريدته، فلماذا لم يناقش الأمر تحت قبة اتحاد الكرة، ويدلي بكل الشبهات التي تكشفت له إن كانت موجودة؟ أما طرحها على الملأ هكذا فالضرر أعم من الفائدة، ولا ترجى الفائدة من نقاش القضايا ذات الحساسية البالغة مع العامة كما هي مع الخاصة.
.. قد يقول قائل وما أعلمك أن الدكتور عبد اللطيف لم يطرح الأمر ويناقشه مع زملائه الأعضاء، وعندما يئس من القبول والتحرك تجاه الحل، اختار التغريدة الانتحارية حلا أخيرا؟ هذا كلام مقبول، وما دام فعل، فليتحمل تبعات ذلك، ويحضر أدلته أو يتهيأ للعقاب الكبير المنتظر.
أُرجح أن الدكتور بخاري لا يملك دليلا واحدا يعتد به يدعم ما كتب، ولا أظنه يعدم وجود شبهات دفعته إلى ما كتب، والشبهات لا يمكن الاستشهاد بها في أحكام القضاء لكنها مدعاة ومبرر حقيقي لفتح التحقيق، وهذا هو المسار الطبيعي في هذه القضية وشبيهاتها.
.. على الدكتور بخاري أن يخضع للتحقيق، ويطرح كل شبهاته التي استند إليها بكل وضوح، ويطالب هو قبل الآخرين باستكمال التحقيق، إن عثر فيه على ما يدعم ما غرد به، فقد حقق الرجل المطلوب وهو تقديم المسؤولية العامة على الخاصة، وإن حدث العكس فعليه كرجل قانون أن يكون أول القابلين بحكم القضاء والمرحبين به.
قضية الدكتور عبد اللطيف، مفيدة مضرة، منحت المؤسسة الرياضية فرصة كبيرة في سن قانون لتجريم العبث إذا أثبتت التحقيقات أن تغريدته تندرج تحتها، ومنحتها أيضا فرصة في تطهير أعضاء كرة القدم من أي شبهات مع نهاية ولاية المجلس الرياضي المنتخب، وستكون مضرة جدا إذا مرت مرور الكرام وهدأت الضجة بلا إجراء حقيقي، إذ ستصبح هذه التغريدة بعبعا يتم استدعاؤه في كل مرة يخسر فيها المنافسون أمام الهلال تحديدا، وفي كل مرة لا تعجب النتائج أي مسؤول أو مشجع.
.. إذا تراجعت المؤسسة الرياضية عن ممارسة حقها في بحث وتقصي شبهات ما حدث، فأرجو أن يتمسك نادي الهلال بحقه ولا يتنازل عنه، ويمضي قدما في المطالبة بالتحقيق، ويقدم درسا حضاريا في استخدام القانون، ويبتعد عن أي تصريحات إعلامية، خاصة تلك التي تنهى عن خلق وتأتي مثله.