أعباء فرض القوة في المفاوضات
يتطلب الأمر اتخاذ أكثر من خطوة إيجابية لمواجهة الآثار المترتبة عن خطوة سلبية واحدة، ولهذا من الأفضل أن تجنب نفسك هذا الجهد الإضافي، بأن تجري مفاوضاتك مع الشركاء بعناية فائقة.
كتبتُ من قبل أن محاولة فرض القوة على طاولة المفاوضات فيه مجموعة من المخاطر الكامنة على كل من استمرار التفاوض وجودة نتائجه. لكن البعض ما زال يصر على استخدام خطوات السيطرة متوقعا تحقيق منافع عالية. أولئك الذين يختارون هذا النهج يخفقون في توقع المستويات العالية من الألم الذي يسببونه على الأرجح للطرف المقابل ولهذا يقعون في مخاطر كبيرة.
خلافا لذلك يدرك المفاوضون الذين يسعون إلى فوز جميع الأطراف المخاطر المتوقعة، حيث يحاولون من خلال تبني نهج الفوز للجميع تحقيق التوازن بين المخاطر والعوائد بخطوات تجلب المنافع من دون الأخطار التي تكمن في الخطوات المستندة إلى السيطرة والهيمنة.
لأن معظم المفاوضين لا يميزون بين خطوات فرض الإخضاع وجلب المنفعة، فإنهم حتى عندما يحاولون التفاوض بمنهج تحقيق مصالح جميع الأطراف، يستخدمون بلا قصد خطوات السيطرة وإلحاق الألم سعيا لتحقيق أهدافهم. من الناحية النظرية، لا يشكل هذا مشكلة كبيرة إذا كان الألم الذي تتسبب به خطوات السيطرة قابل للتخفيف بسهولة عبر المكاسب الناتجة عن الاتفاقات التعاونية مع الطرف الآخر. إلا أن الدراسات في هذه المسألة تشير حتى الآن إلى أن التأثير السلبي للخطوات المؤلمة يفوق كثيرا فوائد الإيجابية منها.
تحت الضغط
تبين الأبحاث أن التفاعلات السلبية تؤثر خمسة أضعاف أكثر في الحالة المزاجية من التفاعلات الإيجابية؛ أي أنك بحاجة لعدة «تفاعلات جيدة» لإصلاح الأضرار التي يسببها تفاعل سيئ واحد. أجريت تجربة أخذ فيها مجموعة من العينات لفحص العلاقة بين المزاج والتفاعلات مع مشرفيهم. وكشفت الدراسة أن الموظفين يقيمون 80 في المائة من تفاعلاتهم مع رؤسائهم بأنها تفاعلات إيجابية، و20 في المائة فقط بأنها تفاعلات سلبية. وعلى الرغم من ذلك كانت آثار التفاعلات السلبية على المزاج العام للموظفين خمس مرات أقوى من آثار التفاعلات الإيجابية. وتشير هذه النتائج إلى أنه على الرغم من أن معظم التفاعلات الإشرافية إيجابية، فإن الأثر الصافي الإجمالي من التفاعل مع المشرفين قد يميل قليلا إلى الجانب السلبي بسبب التأثيرات الأقوى للتفاعلات السلبية على الحالة المزاجية للموظفين.
لتسليط مزيد من الضوء على آثار التفاعلات السيئة على المزاج ومستويات التوتر، أظهرت دراسة بحثية أخرى أن المشرفين يرتبطون مع مشاعر الموظفين بثلاث طرائق:
1. شعر الموظفون بمشاعر إيجابية أقل عند التعامل مع رؤسائهم مقارنة بما شعروا به عند التعامل مع زملائهم في العمل والعملاء.
2. شعر الموظفون بمشاعر إيجابية أكثر مع الرؤساء الذين سجلوا أعلى مستويات القيادة التحويلية.
3. انخفض الرضا الوظيفي وارتفع التوتر لدى الموظفين الذين حاولوا التحكم بمشاعرهم (سواء بإخفاء المشاعر السلبية أو إظهار مشاعر إيجابية مزيفة)، لكن الموظفين الذين كان لديهم رؤساء يتمتعون بأعلى مستويات القيادة التحويلية كانوا أقل عرضة للشهور بانخفاض الرضا الوظيفي.
وتشير هذه النتائج إلى أن آثار محاولة السيطرة على المشاعر على الإجهاد تبقى طويلة الأمد (تصل إلى ساعتين)، ولا تنخفض بسهولة عن طريق سلوكيات القيادة.
الخطوات السلبية تضر أكثر
آمل أن يكون وجه الشبه مع عملية التفاوض سهلة الفهم: فالعلم يشير إلى أن خطوات التفاوض السلبية تضر أكثر بخمس مرات من الخطوات الإيجابية، بل قد تتجاوز ذلك إذا كان التفاعل قائما على اختلاف القوة. لكن حتى في هذه الحالة فإن ضبط النفس في استخدام القوة يمنع انخفاض نسبة الرضا ويزيد من المشاعر الإيجابية. ولأن تأثير التفاعلات السلبية أو المعتمدة على السيطرة أقوى خمس مرات من تأثير التفاعلات الإيجابية، فإن الأسلوب الذي يقدم أفضل النتائج هو تبني نهج التفاوض الوقائي الذي ينفر من المخاطرة بالامتناع عن خطوات القوة.
وهكذا من المهم عندما يريد المفاوضون اعتماد نهج المخاطرة (المكافأة) للوصول إلى المنافع المأمولة فإن عليهم معايرة تقييمهم للخطر، ومحاولة تجنب المخاطر الكامنة غير الاضطرارية في خطوات القوة. خيارات الربح للجميع لا يعني أننا يجب أن نخاطر أو لا نسعى إلى تحقيق أقصى قدر من المنافع من خطواتنا التفاوضية، بل يجب بدلا من ذلك تحقيق أقصى المنافع مع تقليل المخاطر عن طريق أفضل صياغة وتوقيت لما نريد أن نقوله أو نفعله. وبهذه الطريقة فإننا لا نتراجع خمس خطوات إلى الوراء كلما حاولنا التقدم خطوة إلى الأمام. فكما تقول علامة تجارية شهيرة: لنواصل التحرك إلى الأمام.