فنزويلا «2»

نستكمل الحديث اليوم عن دولة فنزويلا المنكوبة التي أصابها العجز المالي الشديد بعد هبوط النفط، ومقال اليوم حسب ما جاء في مقال شبكة CNN Money (تاريخ 20 يوليو 2016) يصف فيه الأوضاع المعيشية المتردية التي تمر كل يوم بصمت وتحجيم إعلامي مع انشغال العالم بمأساة سورية والانتخابات الأمريكية.
نساء حوامل، أطفال وشيوخ يعبرون الحدود إلى دولة كولومبيا المجاورة بحثا عن بعض الطعام والأغذية الأساسية التي أصبحت سلعا نادرة في بلادهم اليوم.
كثير من الشعب المنكوب يمضي أسابيع بلا حليب أو دقيق أو ورق الحمام، أمر لا يصدقه عقل بالنسبة لدولة تملك أكبر احتياطي (مثبت) من النفط العالمي!
وتقدر السلطات الكولومبية عدد الفنزويليين الذين عبروا الحدود إليها بنحو 100 ألف نسمة، ويقدر صندوق النقد الدولي أن اقتصاد البلاد سيتراجع بنسبة 10 في المائة بنهاية العام الحالي (مقابل تقديرات سابقة 8 في المائة) وتبلغ نسبة التضخم السعري المتوقعة نحو 700 في المائة (نعم سبعمائة!) بعد تقديرات سابقة بلغت 480 في المائة.
وتتوالى المصائب على البلاد التي أصبحت على مشارف كارثة إنسانية حيث زاد عدد الوفيات من نقص التجهيزات في المستشفيات، والدولة غير قادرة على سداد قيمة الواردات لأنها في أمس الحاجة للسيولة النقدية، حيث مضت سنوات في سوء إدارة الموارد والإنفاق اللامسؤول على برامج حكومية غير فاعلة وتأخر الاستثمار في البنية التحتية لحقول النفط.
في خضم هذه الكوارث نجد الرئيس (الاشتراكي) نيكولاس مادورو Maduro يصارع لبقائه في السلطة ضد رغبة الكونجرس الذي طالب بمقاضاته. في يناير الماضي، حشد المحكمة العليا بالحلفاء ليمنع المعارضين من إصدار تشريع جديد يمنح الحق لإعادة الانتخابات الرئاسية، وفي أحدث التطورات يرد عليه الكونجرس بمحاولة تجريد المحكمة العليا من صلاحياتها وتعيين قضاة جدد.
والمحزن في الأمر أنه رغم وفرة الموارد النفطية إلا أن شركة النفط المملوكة للقطاع العام مفلسة، وفي الوقت نفسه انحدرت أسعار النفط لأدنى مستوياتها في 13 عاما، وذلك وفقا لمنظمة الأوبك التي تعتبر فنزويلا عضوا رئيسا فيها، إضافة إلى أن مخزون السيولة والذهب لدى الدولة في هبوط، حيث انخفضت الاحتياطيات الأجنبية إلى 11.9 مليار دولار فقط وفقا للبنك المركزي، من 20 مليار دولار في العام الماضي، واضطرت لسداد ديونها عن طريق شحن احتياطياتها من الذهب إلى سويسرا. وحيث إن فنزويلا على مشارف تعثر السداد، حيث إن عليها سندات خارجية بقيمة خمسة مليارات دولار مستحقة في شهري تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) المقبلين، يتوقع كثير من المحللين تعثرها عن السداد ما يفاقم المعضلة.
وهكذا نرى دولة رئيسة مصدرة للنفط أصبحت ذليلة اقتصاديا وشعبها يحترق دون حرب ولا ثورة، وكل هذا هو نتيجة لسلسلة من السياسات الاقتصادية والقرارات السياسية الخاطئة وسوء إدارة مواردها الطبيعية والمالية، إضافة إلى الدعم الكلي لعديد من الخدمات والمنتجات، وسنوات أهدر خلالها الرئيس السابق هوجو شافيز موارد ووقتا طويلا في حشد الناخبين واستثارة مشاعرهم ضد الولايات المتحدة بأسلوب اشتراكي بالٍ يعود إلى حقبة الستينيات ولا يراعي المصالح الاستراتيجية ولا مستقبل شعبه بذكاء.
وبات الخروج من عنق الزجاجة مستحيلا دون الاقتراض المرهق مصحوبا بحزمة قوية من إجراءات التقشف والحذر السياسي مع الرفق بالشعب المتضرر.
وسنراقب ما تأتي به الأيام المقبلة لهذه الدولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي