«العب يالأخضر»
في عشر محاولات ماضية نحو بلوغ المونديال العالمي، نجح المنتخب السعودي في أربع، وفشل في ست محاولات، واليوم وهو يدشّن الرحلة الـ 11 لا يبدو أنه يشيع جواً من التفاؤل في أوساط أنصاره السعوديين العاشقين حتى الثمالة لعبة كرة القدم.
.. يسيطر جو من الإحباط على المشجعين، بعضهم يعتقد أن النتيجة محسومة سلفاً بوجود اليابان وأستراليا في المجموعة، وأن بلوغ الأخضر الملحق سيكون أفضل ما يتم الوصول إليه، هؤلاء هم أكثر المتفائلين، الجزء الآخر يعتقد أننا نخدع أنفسنا ونبني طموحاتنا فوق رمال متحركة ونفتقد الواقعية ولا مجال للعبور؛ فالطريق وعرة.. ولا يمكن لقافلة الأخضر الحالي تحمُّل مشقاتها.
في الوقت الذي ينتظر الأخضر السعودي دعم جماهيره، تنقسم حوله بين متشائمة ومتشائمة جداً، في جو غير ملائم لبداية المحاولة المونديالية الـ 11، جو يُوصد الأبواب أمام أي بارقة ضوء تتسرّب لكسر سرمدية هذا الظلام الحالك، فكيف ستكون حال نجوم الأخضر المثقلين بأحمال إنجازات مَن سبقهم، والمحاطين بصرخات استهجان أنصارهم قبل منافسيهم.. يا لهذا المشهد القاتل، لا يختار البقاء فيه إلا منتحر أو ذو قلب "فضيخ"، وصاحب القلب الفضيخ في الموروث الشعبي، رجل لا يحسب العواقب، يخوض الغمار بلا سلاح.
هل الحال كذلك فقط في المحاولة الـ 11؟ الحقيقة أنها كانت في تسع على الأقل من العشر الماضيات، وفي كل مرة من التسع الآنفات، كل ما أعلنت قائمة المنتخب وبرنامج مبارياته تفنن المثبطون - وما أكثرهم - في نشر المفردات التشاؤمية على طرقات الأخضر، وكل ذلك نُسي؛ طواه الزمن، في أربع من المحاولات العشر؛ كون الإنجاز كان العنوان الأخير للمشوار، فلم يعد أحد للافتات التي كُتبت في بدايته ولم يتذكرها أحد، والناس دائما يرسخ في أذهانها الختام أكثر من البدايات.
لو استعدنا ما قيل قبل تصفيات 1994، لوجدناه لا يخلو من التشاؤم، كان هناك جدلٌ حول لاعبي الوسط في المنتخب تحديداً، مطالبات بتسريح أسماء واستدعاء أسماء، الحال ذاته في تصفيات 1998، كثر الجدل والنقد وتسرّب التشاوم.. أتذكر أن إبراهيم سويد؛ صاحب هدف الترشح أمام قطر في الجولة الأخيرة، كان محل انتقادات كثيرة، ولكن كل شيء طواه النسيان، مع سيطرة الإنجاز عند إسدال الستار.
أسوق هذه الأمثلة للاعبي منتخبنا الوطني الحالي، حتى يعرفوا أن الذين أنجزوا قبلهم، عانوا.. وانتُقدوا.. وهُوجموا أيضا، ونثرت أشواك التشاؤم في طريقهم، واقتلعوها وزرعوا مكانها ورداً طوَّق أعناقهم بعد الإنجاز.
مرحلة صعبة؛ صعبة للغاية يعيشها لاعبو الأخضر، يعتقدون فيها أنهم وحدهم مروا بهذه الطريق، بينما سجلات التاريخ مملوءة بمثلهم، تعرّضوا لما يعترضهم الآن ويحاوطهم، وليس أمامهم إلا أن يفعلوا ما فعل المنجزون قبلهم، مزقوا كل عبارات التشاؤم ونثروا الفرح، وكتبوا أسماءهم في التاريخ، ولا يحدث ذاك بالأماني.
اليوم.. أمام تايلاند.. لا تهاون، لا تسويف، لا تفريط، ننتظر جنوداً في الملعب، مقاتلين، فرسانا شجعانا، يسقون الشعار الأخضر بالروح ويفتحون الطرق نحو المونديال الروسي، يطئون بأقدامهم على الطريق الوعرة، ويهدون الوطن ما يستحق منا جميعاً.