رسالة إلى امرأتين
في أسبوع واحد وصلت إليّ حالتان لامرأتين سعوديتين كلتاهما تعاني اقتصاديا بسبب قلة الحيلة والعوز. السيدة الأولى تقول إنها متزوجة وأم لطفلة واحدة (خمس سنوات) وزوجها مصاب ولا يستطيع العمل، وإنها تحت الضمان الاجتماعي، الذي لن تتسلم دفعته التالية سوى بعد أشهر، (وفقا لها، فأموال الضمان الاجتماعي وقدرها 1300 ريال في حالتها تدفع سنويا). هذه السيدة طلبت مساعدة مالية مباشرة إلى حسابها في مصرف محلي وزودتني بصورة من بطاقة الضمان الاجتماعي الخاصة بها مع سيل من الأدعية والتوسلات.
كوني أعمل في مجال التوعية المالية لم أر داعيا لبذل مجهود كبير في حالتها لأن في هذه القصة عدة ثغرات:
ـــ كفاءة إدارتها لمستحقات الضمان الاجتماعي، خاصة أن لديها طفلة واحدة ولا تذهب للمدرسة.
ــــ عدم قبولها العمل في أي منشأة بسبب عدم وجود الشهادة.
ــــ إمكانية العمل في المهن المنزلية مثل الطبخ أو حضانة الأطفال أو العمل ككاشيرة.
لا أقول إنها تدعي العوز (ولو أنه أمر وارد) لكنّ هناك بابا آخر غير الاستجداء واستعطاف مشاعر الآخرين، فكل واحد لديه همومه ومسؤولياته، أما الأثرياء فكثير منهم محسنون ولديهم قوائم انتظار طويلة مماثلة لحالتها يقومون بإعانتها. من ناحية أخرى، قامت الدولة بالتحذير من التحويل المباشر للفقراء على حسابات مصرفية خشية تمويل الإرهاب أو جهات مشبوهة ــ لا سمح الله.
الحالة الثانية: خاصة بخريجة جامعية قسم "الاجتماعيات" وتعمل عاملة نظافة بشركة تأجير عمال نظافة. ووفقا لمقطع فيديو قامت بتسجيله بجوار أدوات النظافة الخاصة بها، ذكرت أن العمل الشريف ليس عيبا لكنها أيضا وجهت نداء للمسؤولين بإنقاذها ومن مثلها من الخريجات من المهن التي لا تناسب قدراتهن ولا طموحاتهن. وقد بدا لي أنها كانت تأمل العمل كمعلمة أو في الانضمام لحركة النقل أو ما شابه من التعقيدات الإدارية في هذا القطاع المعقد.
رسالتي إليها:
أحيي فيك القيام بعمل شريف بدلا من انتظار وظيفة (قد تكون في مخيلتك فقط).
أنت إحدى ضحايا سنوات وعقود من سوء التخطيط في قطاع التعليم والعمل ومثلك آلاف، والمشكلة لا تخصك وحدك. فأين كانت الوزارة من الأعداد المتراكمة من خريجي أقسام لا يحتاج إليها سوق العمل؟ لماذا لم تغلقها وتستبدلها بعلوم المستقبل؟
أنت ضحية عدم تهيئة الفتيان والفتيات لأعمال حقيقية يحتاج إليها السوق والمستهلك والمستقبل. دعيني أقل لك إن تخصصك هذا محله دور الأبحاث والدراسات التي تستخدم لأهداف اقتصادية وبحثية، لكن مع الأسف هي قليلة جدا هنا ولا توظف مبتدئات بشهادة بكالوريوس فقط ولا تسهم فعليا في سد رقعة البطالة.
فبفرض أنك حصلت على وظيفة أحلامك فهل تتوقعين أن المكان سيتسع للجميع؟
الدولة السعودية (ولا أي دولة أخرى) مسؤولة عن توفير الوظائف للجميع، ولا شك أن دورها أساسي في دعم والنهوض بسوق العمل والتعليم ومخرجاتهما لكنها لن تقدر على إحالة مئات الألوف إلى التقاعد من أجل المزيد من طالبي العمل مثلا.
آمل منك المواصلة ومحاولة استغلال ذكائك وقدراتك في تأسيس العمل الخاص بك في أي مجال وعدم انتظار التعيين أو النقل أو غيره.