الائتمان «2»
تعد الاقتصادات الغربية "اقتصادات دين" لأنها تُبنى على استصناع النقود حيث يتم توفير النقود من خلال إصدار الديون. ومن هنا ينبع القلق لدى المقرض في حال تعثر المقترض حيث إن عليه التزاما تاما تجاه البنك حتى ينتهي من السداد. وفي حال التعثر إما أن يقوم المقرض (في أغلب الحالات المصرف) بالعفو عنه وشطب الدين حيث يضاف إلى بند "مخصصات الديون المتعثرة" أو يستمر في ملاحقة المقترض واتباع شتى الوسائل للخروج بأكبر قدر من المال منه. وتعد هذه المخصصات Non-Performing loan Provisions أحد أهم العناصر التي تدخل في القوائم المالية للمصارف حيث يحاول كل مصرف أن يخفضها لأدنى حد معقول.
كان هذا الجانب السلبي الذي بسببه يعزف كثير من الأفراد عن الدين.
لكن ماذا لو افترضنا سيناريو جميلا يقوم فيه المصرف بإقراض جميع العملاء ويقوم العملاء بالسداد التام حسب الجدول المتفق ودون أي مجهود من موظف المصرف ولا حتى رسالة تذكيرية؟
قد لا يحدث هذا في الواقع لكن لنفترض أنه كذلك وأن المقترض هو صاحب منشأة صغيرة تكبر عاما بعد عام حتى تصبح شركة متوسطة الحجم يعمل بها أكثر من 20 موظفا وتسدد الضرائب كاملة في موعدها وتسهم في توطين الوظائف؟ وماذا لو قام موظف في الشركة بالتعامل بالائتمان لشراء حاجياته ورفع مستوى أسرته المعيشي وإدخال أبنائه إلى المدارس دون الضغوط الفورية التي تصاحب أول العام الدراسي ثم يأتي موسم الإجازة فيقوم بالاشتراك في برامج ترفيهية أو السفر إلى بلدان جديدة بتقسيط بطاقة الائتمان بل ربما يستخدم الأميال التي جمعها في بطاقته الائتمانية للحصول على تذاكر أو ليلة مجانية؟
وهذا الموظف يحتاج إلى شراء سيارة جديدة للأسرة فيقوم بالتقديم على قرض سيارة من المصرف الذي يتعامل معه أو شركة تقسيط عندها عرض جيد لمجموعة من السيارات موديل السنة الماضية. في النهاية من المستحيل أن يمتلك مبلغا يكفي لسداد قيمتها بالكامل مع طلبات الأسرة المتواصلة خاصة زوجته وهي على وشك وضع المولود الثاني. ولحسن الحظ فإن جميع المستشفيات تقبل السداد الائتماني لأن شركة التأمين لن تقوم بتغطية كل تكاليف الولادة وعليه أن يسدد 15 في المائة من تكاليف الطبيب من جيبه الخاص.
ينتهي الموسم الدراسي الأول وتأتي الإجازة والابن الكبير يعاني مللا مزمنا بسبب حرارة الطقس فيضطر الأب لشراء تذاكر وحجز فندق في دبي لمدة أسبوع كنوع من كسر الروتين فتسافر الأسرة، ومن الطبيعي أن تحدث عمليات تسوق شرائية خلال أسبوع توازي ميزانية الأسرة لمدة شهر لكن بفضل بطاقته الائتمانية التي نزلت عرضا جديدا بمناسبة الإجازة نصف السنوية يمكِّن حامل البطاقة من استخراج بطاقة جديدة دون رسوم والسداد لمدة ثلاثة أشهر دون فوائد. جاء هذا العرض في وقته لأنه عند العودة إلى البلاد سيحين وقت سداد القسط الدراسي الثاني والمصاريف المصاحبة إضافة إلى قسط السيارة الجديدة. وبرغم شعوره بالضيق عند مجرد التفكير بهذه الالتزامات، إلا أنه موظف مجتهد وعميل مصرفي ملتزم بالسداد لأنه حريص على إبقاء سجله الائتماني خاليا من الشوائب والنقاط السوداء.
السداد في موعده
قد تكون القصة من خيالي لكن كل أحداثها هي من واقع يعيشه ملايين البشر في أنحاء العالم، ولو لم يكن هناك تأسيس شامل ومتكامل للبنية التحتية المصرفية والائتمانية وبرقابة عالية لحدث مالا تحمد عقباه، لكن مما لا شك فيه أنه دون الائتمان سيصبح من الصعب جدا تنمية الإنفاق الاستهلاكي وبالتالي التوسع التجاري داخل الاقتصاد وتصبح إمكانية الاستمتاع بقدر أكبر من الرفاهية ضعيفة.