عين على «جاستا» وعين على السعودية «1 - 2»
تعيش الأوساط السعودية حالة من الجدل واللغط حول تداعيات صدور مشروع قانون جاستا الأمريكي – المراد تسميته "قانون العدل ضد رعاة الأعمال الإرهابية" - والأثر المترتب عليه اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، والبعض أصيب بالهلع منه في حين أنه هلع في غير محله، فالأمر ليس بالسهولة التي يعتقدها الكثيرون، فالقواعد القانونية وإسقاط الحماية القانونية للدول ليست بالأمر الهين في القانون الدولي.
وما يجب أن نعلمه أن الصراعات في العالم لم تعد تقاس بحجم البعد الجغرافي أو بالانتساب الإقليمي أو القوة العسكرية، وإنما تقاس باختصار المسافات واستغلال القانون وهو ما دعا معظم الدول إلى التعامل مع الأزمات الراهنة وفق منطلقات وأدوات جديدة أهمها الحقوق والقانون.
أولا: تاريخية مشروع قانون جاستا
مشروع قانون جاستا الأمريكي – قانون العدل ضد رعاة الأعمال الإرهابية - ليس حديثا، فقد أثير بعد أزمة 11 سبتمبر، وتطور إلى مشروع في أروقة الكونجرس الأمريكي عام 2004م ثم تم إحياؤه مرة أخرى عام 2009م وصوت عليه هذا السنة 2016م.
واختصام الدول والمنظمات المصنفة إرهابيا ليس أمرا جديدا في القضاء الأمريكي فيوجد سوابق ضد إيران، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبعض الشخصيات العربية، ... إذا بماذا أتى القانون الجديد جاستا؟
ثانيا: مقتضى المشروع وماذا طرح؟
أتى مشروع قانون جاستا بمبدأ قانوني جديد في الفقه الحقوقي الأمريكي وهو، (نزع السيادة القانونية عن الدول في القضايا المدنية) الخاصة بدعاوى التعويض عن أضرار ناجمة عن أعمال إرهابية.. في حين أن قانون 1967م كان يعطي حصانة قانونية للدول من الملاحقة القانونية، وهي سابقة قانونية تهدر فيها أمريكا على أراضيها مبدأ مستقرا وملزما لها وفقا لمبادئ القانون الدولي.
ثالثا: معضلات سيواجهها قانون جاستا
قانون جاستا لن يكون تنفيذه سهلا بالنسبة للأمريكيين لأنه يتعارض مع مبدأ مستقر في القانون الدولي لا نزاع عليه، وسيواجه معضلة التعارض مع المواثيق الإلزامية في هيئة الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تعد الولايات المتحدة الأمريكية أحد أعضائها.
فهو يتعارض مع أحكام الفصل الأول من ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي أرست مبدأ سيادة الدول وحصانتها والتأكيد على الدول الأعضاء الامتناع في علاقتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.
كما يتعارض إقرار مشروع القانون مع الفصل الأول المادة (2) من الميثاق التي ألزمت الدول بأن تعرض على أعضاء هيئة الأمم المسائل التي تتعلق بالشأن الداخلي متى كانت تتعارض مع الميثاق وهذا ما لم تفعله أمريكا.
غير أن أمريكا لديها خبرة تاريخية في التفاوض مع الدول حول التعويضات ومن الواضح أن الحكومة الأمريكية مررت القانون لاستغلاله في ذلك، وقد تصطدم السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية إذ قد يرى القضاء الأمريكي عدم ملاءمة القانون وقد يعده اعتداء على اختصاصات السلطة التنفيذية وقد كان للقضاء الأمريكي سابقة في ذلك ألغى فيها من تلقاء نفسه تشريع قانون لمصلحة السلطة التنفيذية.
رابعا: الموقف القانوني للسعودية من قانون جاستا
لم يحدد القانون السعودية كدولة مقصودة من تطبيق أحكام القانون على خلاف ما أشاعه البعض خطأ، بل إنه لم يستثن أي دولة، وفي كل الأحوال السعودية هي إحدى الدول التي طالها الحديث حول موقفها القانوني من أحكام مشروع القانون، ولذا أوجز الموقف القانوني للمملكة في الآتي:
1 - المملكة وأمريكا تحملان العضوية في هيئة الأمم المتحدة وملزمتان بموجب الفصل الأول من ميثاقها باحترام السيادة والحصانة.
2 - يتعارض قانون جاستا مع اتفاقية دولية قديمة بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية مبرمة في 1933م التي تناولت في مادتها الثانية أن تعامل المملكة ورعاياها وممتلكاتها حسب مقتضيات وعادات القانون الدولي المعترف به بصورة عامة، ويتمتعون فيما يتعلق بأشخاصهم وممتلكاتهم وحقوقهم بأكبر قسط من حماية قوانين وسلطات الدولة، ولا يعاملون فيما يتعلق بأشخاصهم وممتلكاتهم وحقوقهم ومصلحتهم بصورة أقل رعاية ما يعامل به رعايا أي دولة أجنبية أخرى.
وبمقتضى هذا النص فإن لممتلكات السعودية ورعاياها الحماية ولم ترفع عنها الحصانة وفي حال لم تثبت أمريكا عدم سريان هذه الاتفاقية فستكون في حرج أمام المملكة خصوصا أنها تقدم نفسها على أنها راعية لدولة القانون. وفي الحلقة المقبلة نواصل الحديث عن الموقف القانوني للمملكة وضوابط إقامة دعوى بموجب "جاستا" وتنفيذ الأحكام وردود الأفعال القانونية.